أبدأ من قرار الملك فيصل رحمه الله تعالى بتوطين البادية لأن المملكة تلك الأيام كانت تنهض بما يملي عليها ذلك الزمن أن يتحضر الناس وينتقلوا من عيشة البدو الرحل التي تسعى خلف الماء والكلأ وتعتمد على رعي الأغنام والسوالف ليلاً في سمراتهم ولا تعليم لأبنائهم ولا مدارس، فوطَّنهم الملك فيصل ونهض الكثير من أبنائهم بالتعليم وأصبحوا منتجين وارتقى مستواهم الفكري ونزح الكثير منهم الى المدن الرئيسية الرياض وجدة والمنطقة الشرقية حتى زاد عدد السكان بها الى حد غير مقبول، والمدن الأخرى فيها قلة من السكان، فما كان من الملك عبد الله رحمه الله إلا أن أقدم على إنشاء جامعات في تلك المدن لأن التعليم العام لا ينهض بمستوى تلك المدن الى مرحلة بأن تكون بيئة جاذبة للعيش فيها، فالتطور يكون بالنهضة في التعليم الى أعلى المستويات وفعلاً تصبح مدناً ترتقي بمستوى المعيشة الى أن تكون بيئة مريحة فيها تعليم الأبناء والرقي بمدارسها وجامعاتها ومستوى السكان على قدر من الثقافة والرقي.
ونحن الآن بصدد تحقيق رؤية 2030 التي يتطلع لها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله ومهندسها ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله وبطبيعة الحال لا بد من جميع الوزارات والهيئات والأجهزة الحكومية والقطاع الخاص العمل على تحقيقها في موعدها.
ولما للجامعات من دور كبير في نهضة المجتمعات والرقي بالمناطق التي هي فيها فيجب على رؤسائها التفكير خارج الصندوق وعدم قصره على عملية التعليم بأي مستوى وانها جامعات في مدن صغيرة، فدورها يتعدى هذا المفهوم إلى مفهوم أكبر «مسئولية اجتماعية كبيرة» وهو النهوض بتلك المدن علمياً وفكرياً واجتماعياً. وأتذكر رئيس جامعة نشر له مقطع في وسائل التواصل الاجتماعي وهو في لقاء مع الطلاب ينهر طالباً لأنه طالبَ بأن يكون أعضاء هيئة التدريس على مستوى جيد، فقال رئيس الجامعة إن الجامعة ليس فيها إلا طلاب ليسوا على مستوى من العلم وفي منطقة صغيرة جداً، فغرَّدت على سوء فهمه وقلة قدرته وقصور تفكيره لأن مهمته النهوض بالجامعة وبمستوى سكان تلك المدينة وأن يعمل على أن تكون بيئة جاذبة وليس طاردة، والحمد لله لم يطل بقاؤه بعد المقطع والتغريدات عليه لأنه فعلا ليس أهلاً و لا قائداً لأصغر منشأة تعليمية.
دولتنا قادمة على نهضة فكرية اقتصادية ثقافية علمية عمرانية صناعية ويجب أن تشمل كل المدن وترتقي بالقرى والهجر، والجامعات في المدن الصغيرة لها دور كبير في هذا الشأن الكبير، والاعتماد على القيادات فيها رؤساء ووكلاء ومسئولين، ويجب النهوض بمستوى تلك المدن لتكون بيئة جاذبة للعيش فيها بالنهوض بمستواها العلمي والثقافي والفكري، وهذا دور التعليم العام والتعليم الجامعي، وأحلم باليوم الذي يتسابق فيها المواطنون للفوز بالعيش في تلك المدن ويفك الخناق عن المدن الكبيرة، ولا أنسى دور وزارة الصحة في هذا الشأن الكبير فلعدد المراكز الصحية والمستشفيات ومستواها أهمية كبرى.
والأمانات والبلديات وكل قطاع له دور كبير في هذا الشأن، بمعنى أن تتضافر الجهود وتتحد لتحقيق مستقبل واعد لبلادنا الحبيبة في كل بقعة منها، والجهات العليا لها طموح يتجاوز كل حدود وسخروا له ما بوسعهم من إمكانيات معنوية ومادية.
الأجيال القادمة تنتظر قواعد متينة ليكملوا المسيرة ويجب وجوباً حتمياً أن نكون دولة قيادية وهذا ما تأمله القيادة العليا وبأمر الله هو قريب جداً جداً، خاصة أننا قطعنا بفضل الله شوطاً كبيراً في هذا المشوار مع قائد الحزم خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تعالى وقائد العزم والهمة حتى القمة صاحب السمو الملكي الأمير الشاب الطموح بلا حدود محمد بن سلمان حفظه الله.
رسالة:
طالما أنك مسؤول ثق أن التاريخ سيدون ما كنت عليه من حال، فإن أخلصتَ وأنجزتَ وابتكرتَ فنعمَّا لحالك، وإن أسأت فيا سوء ما سيذكرك به في مدوناته سواء في ذاكرة الناس أو على صفحات الأوراق وتكون أنت من كتب حالك بيدك وبما فعلت عدا عن حساب الآخرة إما ثواب أو عقاب. وما اتكالي إلَّا على الله ولا أطلب أجراً من أحد سواه.