Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

الاستشراق.. أهداف وطموحات

شذرات

A A
أُقيمت العديد من معارض الاستشراق في المدن الأمريكية وبعض الدول الأوروبية.

وبالمناسبة فإن كلمة استشراق مأخوذة من لفظ «الشرق»، وهو ما يشير إلى منطقة الشرق الأوسط من المغرب إلى مصر والجزيرة العربية وحتى العراق وإيران وتركيا.

ويهدف الاستشراق إلى التعرف بعمق إلى أهل الشرق الأوسط وعاداتهم وأساليب حياتهم وتفكيرهم وثقافتهم، وبالرغم من هذه المحاولات الجادة للفهم فقد لوحظت وجهات نظر خاطئة وجانحة بل أن بعضها ظالمة، ربما عن قصد وربما للفهم الخاطئ للثقافات.

كانت المعلومات تخزَّن في ملفات ورقية، وكان يخصص في الولايات المتحدة عدد لا يستهان به من الموظفين يصل الى 102 موظف، تكون أعينهم متجهة لرصد ما يدور في مجتمع واحد فقط من مجتمعات الشرق الأوسط، فالمعلومات وتوثيقها تُعدُّ كنوزاً ثمينة جداً بل هي أساس النجاح في التجارة والاقتصاد وفي السياسة والحرب.

بعض المستشرقين يُفنون حياتهم في التعرف على الآخر في (الشرق الأوسط)، وطموحاتهم تقودهم الى نشر الديانة المسيحية، وعادة ما يكون ذلك من خلال القدوة الحسنة أو الأعمال الإغاثية للمناطق الفقيرة أو المنكوبة بيئياً، ويجمعون الأموال من خلال نظام الضرائب الذي يسمح للفرد باستقطاع ما هو مخصص للضريبة للنفقة منه في الأعمال الخيرية، وهي تندرج ضمن الأمور التي شجعت على المضي قدماً في الاستشراق والتبشير.

وفي هذا السياق فلا بد من التذكير بكتاب إدوارد سعيد: (الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء)، وقد سعى من خلاله -عبر رؤية تحليلية- إلى توضيح محاولة تغطية الغرب على الجوانب الإيجابية والمشرقة للإسلام بحقائق أخرى، وذلك من خلال عمل جماعي ممنهج.

وإدوارد سعيد هو الذي خلص إلى أنه لا يوجد ما يسمى «الاستشراق الموضوعي» أو الإيجابي لأن كل ما يُفعل وكل ما يُقال عنه أنه موضوعي له ارتباط بالمصلحة فقط، وبالتالي فالاستشراق هو أيدلوجيا.

موضوع الاستشراق أُشبع بحثاً ودراسة، وليس من الحصافة رفضه كله ولا الأخذ به كله، بل لا بد من التوقف عنده باتزان.

فبعض رؤى المستشرقين خاصة تلك المتعلقة بالتراث الإسلامي والقرآن الكريم وترجماته -مثل تلك النسخة الممسوخة المسماة (الفرقان) التي صدرت في أمريكا- تضمر نوايا خبيثة لزعزعة المكانة الخاصة للقرآن الكريم حتى يتحول الى نص تاريخي يخضع للنقد والتصحيح!، ناهيك عن محاولة إعادة صياغة الفكر الإسلامي بما يلائم المرحلة القادمة من القيم العالمية التي لا تقبل الدين مصدراً لها.

ولكن في المقابل فإن اهتمام الغرب بشؤون العرب والمسلمين لم يقتصر على الجوانب الدينية فحسب، بل شمل أيضاً الفنون والثقافة والأزياء والعادات والتقاليد ومختلف المُخرجات الإبداعية، وهو الأمر نفسه الذي مارسه ويمكن أن يمارسه الكثير من العرب في تعاطيهم مع الثقافات الغربية، والاستفادة من منهجية المستشرقين، وهو ما يندرج في سياق مفهوم التأثر والتأثير الذي يعرفه دارسو الأدب المقارن، بما يؤسس لتوسيع التبادل المعرفي بين الأمم، ويدفع باتجاه المزاوجات الفكرية بين مختلف الثقافات، فيوطد علاقاتها ويضفي طابع الأنسنة والتعارف بين مختلف شعوبها، وهو ما يدخل في سياق (الدبلوماسية الناعمة).


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store