مَن قُدِّر له التجول بين المدن والقرى الممتدَّة على الشاطيء الشرقي الإسبانيَّة المطلَّة على البحر الأبيض المتوسِّط، وتوقَّف للتعارف مع من يقابله من سكَّانها المتقدِّمين بالعمر خاصَّةً، يلمس مدى عشقهم لتراب بلدهم واستذكار ماضيها المجيد لقرون ثمانية عاشتها إسلاميَّة عربيًّة، وحرصهم على الاحتفاظ بشجرة أحسابهم وأنسابهم التي توصل العديد منهم إلى فترة حكم الخليفة عبدالرحمن الداخل.. من هؤلاء سكَّان قرية المنقب؛ (المونيكار) التي أقامت بلديَّتها تمثالًا برونزيًا للخليفة عبدالرحمن الداخل ممتطٍ صهوة جواده في الموقع الذي يعتقد أنَّه نزل فيه بعد رحلة شاقة من المشرق العربي.. وكذلك سكّان قرطبة التي انطلق منها الملك المنصور، وبلغت الدولة الأمويَّة في عهده أوج قوَّتها.. وما يزال علماء الآثار ينقِّبون في مدينة الزهراء القريبة من غرناطة التي بناها المنصور مقرًّا لإدارته السياسيَّة والعسكريَّة، ويتحدَّثون عمَّا كانت عليه من رقي التخطيط والتصميم والبناء.
مواقع تراثيَّة في الأندلس لا يتوقَّف عندها إلَّا قلَّة قليلة من قاصدي هذه الديار لقضاء إجازاتهم السنويَّة.. الغالبيَّة منهم تقصد الشواطيء حيث الماء والخضرة والوجوه الحسنة، ويقصد أيضًا عشَّاق السياحة التراثيَّة من مختلف الجنسيَّات والأعراق والديانات المواقع التراثيَّة في الأندلس، يثمِّنون ما كان عليه السلف من رقي وحضارة، ولا يجدون تفسيرًا منطقيًّا لموقف أحفاد بني أميَّة في المشرق العربي اليوم، وقد داهمتهم الفوضى الخلَّاقة كما سمَّتها كونداليزا رايس، وزيرة الخارجيَّة في إدارة الرئيس بوش الثانية.. وعنت بالفوضة الخلَّاقة تكوين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة حالة سياسيَّة بعد مرحلة الفوضى متعمدة الأحداث التي توكل لشخصيَّات معيَّنه في بلد ما دون الكشف عن هويَّتهم.. كلُّ ذلك بهدف تعديل الأمور لصالح الولايات المتَّحدة، أو جعلها حالة إنسانيَّة مريحة لها، معتمدة شخصيَّات معيَّنة من أجل مساعدة الآخرين الاعتماد على نفسهم..!
جرى تطبيق هذه الرؤية على عديد من دول العالم الثالث، ليحلَّ الخراب والدمار فيها.. ونرى آثارها شاهدة في العراق وسورية ولبنان واليمن وسواها! دول تطوِّق المملكة العربيَّة السعوديَّة وشقيقاتها دول الخليج العربي التي ما تزال -بحمد الله- عصيَّة على عملاء الفوضى الخلَّاقة الهدَّامة، بفضل وعي شعوبها وتماسكهم مع قادتهم الذين يبذلون الغالي والرخيص للحفاظ على الأمن والأمان والرخاء، وعلى موارد الأمَّة الاقتصاديَّة وتنميتها لتحقيق المزيد من الإيرادات التي تصرف على كلِّ ما من شأنه تطوير الأطقم البشريَّة وتقدُّمها لترتقي إلى مستوى الأمم التي سبقتنا في مجالات التقنية والعلوم والمعرفة، في تنمية 2030 التي رسم خارطتها وليُّ العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان مسابقة الزمن لبلوغ أهدافها والتوجُّه بعدها إلى تنمية 2050 بعزم وثقة، رائدها: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والذِينَ هُمْ مُّحْسِنُونَ﴾.