في مساحة حوار تويترية لبعض العراقيين المهاجرين من بلدهم (المنكوب بسيطرة إيران على جُلّ مفاصله) إلى أوروبّا ومصر ودول الخليج استمعْتُ لمطرب عراقي شاب وهو يؤدّي مواويل عراقية رائعة، ذكّرتني بالمطرب العراقي الراحل ناظم الغزالي الذي كُنْتُ وما زلْتُ من أشدّ المعجبين بمواويله وطريقة أدائه الجميلة.
فطلبْتُ من المطرب أن يُسْمِعَنِي موّال «عيّرتني بالشيْب وهو وِقارُ» لناظم الغزالي، فأسمعنِيه، وكأنّني أسمعه للمرّة الأوْلَى في حياتي، وكأنّني أسمعه من الغزالي نفسه من فرْط إجادة المطرب وحُسْن وحلاوة وطلاوة صوته، وكلمات الأغنية هي شعر عربي راقي وأصيل وليس ما نسمعه اليوم من كلمات لأغاني هي للابتذال أقرب منه للرُقيّ والأصالة.
دعوني أسطّر هنا كلمات الموّال الشهير:
عيّرتني بالشيْب وهو وِقارُ
ليتها عيّرت بما هو عارُ
إن تكن شابت الذوائبُ منّي
فالليالي تُزيّنها الأقمارُ
دموعي بيوم فقْد الولف ليلى
وردّت عيني يمرّها النوم ليلة
تُعيّرني عجب بالشيْب ليلى
وأخير اثْنِينّا نشيّب سويّة
وناظم الغزالي المُتوفِّي سنة ١٩٦٣م هو رائد المقام العراقي المعروف بسلّمه الموسيقي العربي الأصيل، وكانت أولى رحلاته خارج العراق إلى فلسطين قبل انتهاء عام ١٩٤٨م لنُصرة الجيوش العربية وشحذ هممها، ولا تُضيره الهزيمة العربية ولا تُقلّل من حبّه الجامح للعرب ولغتهم وتراثهم الخالد، وقد تزوّج من سليمة مراد باشا التي كانت أستاذة في فنّ الغناء، وتعلّم على يدها الكثير من المقامات، وكانا في كثيرٍ من الأحيان يقومان بإحياء حفلات مشتركة، يؤدّيان فيها بعض الوصلات الفردية والأخرى الثنائية التي تُعْجب المستمعين الباحثين عن الطرب الأصيل.
رحم الله ناظم الغزالي، ونجّى العراق الشقيق من براثن إيران وميليشياتها الطائفية والإرهابية، ليعود إلى الحُضن العربي، مناراً للعلم والتراث والثقافة.