Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

التضخيم والتحجيم

A A
«إن أُعجبت بشخصٍ ستضخمه في عقلك، وإن كرهت شخصاً فبالتأكيد ستضخمه في عقلك، التضخيم يعني أنك لا تستطيع رؤية الأمور على حقيقتها، وإن لم تستطع رؤية الأمور على حقيقتها فلن تستطيع أبداً التعامل مع الحياة كما يجب». لفتت انتباهي تلك العبارة للكاتب والمُدرب الهندي «سادجورو جاغي» وتأملتها بعمق، فالتضخيم عدو يغزو حياة الإنسان ويكبّلها بالأوهام، ويظل صاحبه يطعمه حتى يكبر ويطغى ويسيطر على فكره ووعيه وإدراكه للحقائق فيعيش كالأعمى! هي حالة لا شعورية تبدأ بإعجاب ثم حب ثم تتعمق أكثر وأكثر حتى تتمكّن منه وتجعله أسيراً لأفكاره الخاطئة، فيعيش السراب لا الواقع، فيُضخِم من يُحب ويحيطه بهالة من المثالية الضخمة والملائكية الكاملة وكأنه لا ينتمي إلى عالم البشر ولا يُخطئ ولا يحيد عن الصواب أبداً، وهنا تبدأ المعاناة والولوج في حالة مغطاة بغشاء من الوهم تجعله يتخبّط في رؤيته، وتُفقده القدرة على رؤية الحقيقة المُجرَّدة، وهنا يأتي دور (التحجيم) بوضع حداً لذلك التضخيم المُتشعب واحكامه بقوة، فالتضخيم هو إعطاء الشخص أكبر من حجمه الطبيعي بشكل مبالغ فيه، والتحجيم هو إرجاعه إلى حجمه الطبيعي الذي يتناسب معه.
«التضخيم والتحجيم» كلمتان متضادتان من المهم تقنين استخدامهما في حياتنا لكي نعيش حياة طبيعية دون مبالغة في المشاعر ودون تعلّق مُستنزِف للطاقة، فالحياة ثقيلة لا تحتمل عبئاً آخراً من المشاعر المبالغة والتعلّق المُنهك للروح والفكر. والأكيد أنَّ مشاعر الحب جميلة وساحرة تحوِّل تصحّر الحياة إلى جنّة وتحوّل اللحظات العادية إلى خيال، ولكن بالمقابل الغلو في تلك المشاعر يحوِّل الحياة إلى جحيم من البؤس والشقاء، فيظل الإنسان عبداً لمشاعره ومُكبّلاً بوساوسها! لا شك أنَّ أماكن الأشخاص متفاوتة في الحياة، فهناك من حجمه كبيراً ويستوطن العمق ولكنه يظل بشراً مُتغيراً يُخطئ ويصيب، وهناك من حجمه لا شيء كذرات ملوّثة تفتت مع الهواء وتلاشت وكأنها لم تكن.. ولكي تعيش حياة سوية تحكّم بمشاعرك ولا تضخّمها بشكل مبالغ فيه، وضع كل شخص في حجمه المناسب له ومساحته الملائمة لثقله دون تضخيم وهمي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store