«غيث» العائل الوحيد لهن، بعد سنة (الجدري)، ذلك الداء الذي فتك بوالدهن قبل أن يشاهد وصاته ماثلة أمامه، قبيل ولادة اسم يصف حاله المصابرة:
(إن جاء ولد ماني مسميه إلا غيث!)
خمس شجيرات مَن يسقيهن وسط هذا العراء؟!
مَن يُداري على غضاضة أغصانهن مِن غلظة أعراب يحاوطونهن على «المشرب» الوحيد لبلدانهم المتلاصقة؟!
انطوت سنة الداء على ما لهج به الباقون، وتضرعوا:
(الله لايعيدها من سنة)
كلما أودت بهم المسامرة لذكرها، و»غيث» شاهد بينهم -اسما ووسما- على مايسمع.
ظل «غيث» مستمعا، وملبيا لنداءات أخواته زمنا طويلا، إلى أن أقصته شيمته بعيدا عنهن.
رحل عن اقتراف النزاع الموسمي على مشربهم الوحيد بعدما عاش عمرا في تصفية الخصوم، عاما وراء عام ظل مناضلا عن حق مائي لخمس شجيرات.
ضرب مجاهل الفجاج معرضا عن توسل ندائهن:
غيث
ياغيث
...
أودعهن للسماء..
لما بعد السابعة أن تلبى استغاثتهن..
ذلك بعدما نكف الخصوم عن جبهة أسلمته لمبارز وحيد.
يقف عليها عمه، وأولاده، هم الطرف الوحيد للمنازعة.
مضى في غيابة خمس سنوات يفلي عن الأرزاق في مفارق الأرض، وجدائلها الممتدة..
وماضيا إلى الأبعد أرضا وزمانا..
لولا أن بلغه خطب فادح، أنبأه به غريب مر بديار يُحكى عنها:
(أن خمسا حلت عليهن وصاية تمنعهن من شب النار ليلاً..!)
هنا وُلد «غيث» من جديد
لوى أعناق الأرض، واتجه عائدا محملا بالنداء المضاعف؛خمسا فوق خمس، وليلا على ليل. عاد «غيث» بحنث عظيم:
أن يراكم الليل ظلاما سرمديا
ولا ضوء يوقد ليله إلا وهن شواهد..
كنَّ مجتمعات في ليل ثابت يمضغن العشاء بحلكة تشبه لون رماد نارهن التي تخمد قبيل المغيب.
قامت إحداهن وتبعنها أخريات بسرعة اللهب..
وبقيتا اثنتان، لم يقمن من هول المباغتة، التي شنها «غيث» على هذا الدامس.
هناك..
هول آخر تغشى عمه وأولاده عندما أبصروا حقيقة الموقدة، نار العودة، واثنتان للتو نهضتا طائفتان عليها بالغناء، تلحقانها بالحطب كلما خفتت..
لنار هذا الليل اسم ووسم جاءا أيضا بعد مصابرة.
وسمٌ.. بل غيثٌ، واثنتان تأكيدا..
اسمٌ..
أبصره المنزاحون عن الطرف المقابل هناك..
اسم لمثنى لازال مرفوعا إلى جدائل ريانة لامعة تشبه أذيال نافرات الخيل.