تسبب اختيار الإعلامي جورج قرداحي لتولي منصب وزير الإعلام في الحكومة اللبنانية التي شكلها مؤخراً المليونير نجيب ميقاتي، في كارثة دبلوماسية للبنان، إذ انكشف الرجل وتوجهاته المعادية للعرب عبر تصريحات ومواقف لم تكن معروفة للغالبية العظمى من الذين كانوا يتابعون برامجه على منصة تلفزيون (إم . بي . سي ).
ثم زاد الطين بله حين أصر قرداحي على عدم الاعتذار عن مواقفه المسيئة لدول الخليج عندما طلب منه بعض حسني النية من اللبنانيين أن يعتذر عن الإساءات التي قالها، بحجة أن تلك المواقف المعلنة كانت قبل أن يتولى المنصب الوزاري وكذلك لأنه (إنسان حر) فيما يقوله ولا يقبل أن يعرض عليه أي طرف مواقف أخرى.
وكان بالإمكان فهم مثل هذا الموقف لو كان الموضوع شخصياً بحتاً بينما هو الآن سياسي يمثل الدولة اللبنانية..
إلا أنه يبدو أننا أخطأنا في تقييم الشخص عبر البرامج التي كان يقدمها من على منصة أم . بي . سي. إذ خلقت تلك البرامج انطباعاً لدى المشاهدين من أنه متحدث لبق ومثقف وصاحب كاريزما.
وفوجىء الإعلاميون اللبنانيون بأن وزيرهم الجديد بدأ عمله بالحديث عن نيته تقييد حرية الصحافة في قول ما تريده أو انتقاد السياسيين خاصة رؤساءه، مدعياً أن هذا الانتقاد يسيء لصورة لبنان داخلياً وخارجياً.
ولم يقبل أن يقال له إن الصحافة هي السلطة الرابعة في كل مجتمع، خاصة الأنظمة الديموقراطية، ولا تستقيم الأمور بدون إتاحة الحرية لها.. وتلي ذلك كشف مواقف له من العدوان الحوثي على أبناء اليمن وقضايا مشابهة بشكل كشف عن ضحالة في التفكير وجهل بالسياسة والقضايا القومية، وأعلن أن حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، رجل لبنان وبطلها وله فضل على اللبنانيين في أن قاد المقاومة، وأن الرئيس السوري بشار الأسد بطل العالم العربي حين حارب الإرهاب ووقف بوجه شعبه وقتل منهم مئات الآلاف وشرد الملايين وحوّلهم الى لاجئين داخل بلدهم وخارجه لأنه حسب وجهة نظره حمى العرب كافة، بما فيها لبنان ، من الإرهاب ورجاله.
جورج قرداحي محسوب على تيار المرده، القريب من سوريا، والذي يرأسه سليمان فرنجيه، وكان وما زال مقرباً من الرئيس اللبناني ميشال عون وتياره الموالي لحزب الله.
وتدل مواقفه التي انكشف بعضها مؤخراً أنه من أتباع حزب الله والولي الفقيه الإيراني رغماً عن أنه مسيحي، مما يجعلنا نتساءل هل كان جزءًا من الطابور الخامس الذي تولى تدريبه واستخدمه حزب الله داخل العالم العربي، وقد سارع الحزب الإرهابي الى الإشادة بموقف قرداحي «دفاعاً عن شعب اليمن المظلوم»!!
كما قال وعبر عن رفضه «رفضاً قاطعاً أي دعوة الى إقالة الوزير أو دفعه الى الاستقالة».
بينما قال سليمان فرنجيه: «نحن نعيش في بلد حر، ولا نريد حصول أي إشكال بيننا وبين المملكة العربية السعودية ونريد الحفاظ على أطيب العلاقات التاريخية معها».
وليس من الواضح متى قام حزب الله والحرس الثوري الإيراني بغسل مخ جورج قرداحي، هل بعد بروزه على منصات (إم . بي . سي.) الإعلامية أم أنه كان يعتبره عميلاً له من سابق، وشجعه على التسلل للمجتمعات الخليجية التي رحبت به.
ومن الخطأ أن تتركز الأزمة القائمة اليوم بين لبنان ومحيطه العربي في جورج قرداحي لأن المشكلة ليست هذا الرجل وإنما نشاط حزب الله في تسميم الأجواء والعلاقات فيما بين العرب ولبنان والسلطة المطلقة التي يتمتع بها الحزب داخل لبنان، والدمار الذي أحدثه الحزب في اقتصاد لبنان ومجتمعه والعزلة التي فرضها عليه واستخدام السياسة اللبنانية والأرض اللبنانية منصة لتدريب الإرهابيين ودفع البلاد للامتثال للتوجيهات والأوامر التي يفرضها الحرس الثوري الإيراني على البلاد.. وإذا كان رئيس الوزراء، نجيب ميقاتي، يسعى لزيارة المملكة، كما يقال، فإنه لن يحقق الكثير من زيارة لا يوضح فيها كيف يمكن للبنان أن يمنع حزب الله من الاعتداء على الدول العربية أو كيف يمكن للدولة اللبنانية أن تعود لممارسة دورها في حكم بلادها.