ثمة مصطلح يخص الموارد البشرية تحت اسم Turn over ربما يقابله بالعربية «دوران العمالة» في إشارة لعدد الموظفين الذين يغادرون المنشأة مقابل من يلتحقون بها.
بعض الدراسات تقول إن 25٪ من الشركات كلفتها حركة الدوران 50 مليون دولار في عام واحد في كلا الاتجاهين، هذا إن تحدثنا عن الجانب المادي الملموس، لكنني أعتقد أن هناك جوانب أخرى خفية من أخطرها عدم الاستقرار في بيئة العمل والتي تؤدي إلى الخوف من تطوير مهارات الموظفين والاستثمار في قدراتهم خشية تسربهم إلى منشآت أخرى، وبالتالي يؤدي هذا الأمر إلى استمرار موظفين لا يتطورون مع مستجدات السوق.
من الطبيعي أن تكون هناك أسباب خارجة عن سيطرة المنشأة للدوران الوظيفي مثل: الوفاة، العجز، التقاعد، لذلك يمكن تصنيف الحالات إلى: إرادي، لا إرادي، سلبي، إيجابي.. فاستقالة موظف مثلاً وانتقاله لجهة أخرى: سلبي لا إرادي، بينما تعتبر ترقية موظف إيجابية إرادية وهكذا.
لقد أدركت أقسام الموارد البشرية الآثار السلبية لحركة الدوران السريعة ووضعت أهدافاً منها الاختيار الصحيح من الأساس للموظف، لا أحد يريد تعيين موظف تنقل بين ثلاث وظائف في خمس سنوات على سبيل المثال دون أسباب واضحة، ففي حالات نادرة يكون العيب في موظف يبحث عن بيئة عمل متسيبة.
تعد استبيانات «قياس الرضا الوظيفي» من أهم طرق استقصاء آراء الموظفين لتفادي التسرب قبل وقوعه، إضافة إلى المقابلة النهائية مع الموظف المستقيل لمعرفة أسباب تركه للعمل بشفافية فلم يعد لديه ما يخسره.
يمكن ذكر بعض الأسباب التي تؤدي إلى زيادة الدوران الوظيفي في منشأة ما:
* القيادة: هناك مقولة شهيرة: «الناس لا تترك الوظائف، الناس تترك المديرين».. وهناك دراسة تقول إن 42٪ من الموظفين تركوا أعمالهم بسبب إدارة سيئة، وقال ثلثهم إن مديرهم المباشر سيىء، فيما قال البعض الآخر إنهم شعروا بقلة الاهتمام والتقدير.
* بيئة العمل: إن بيئات العمل التي تنتشر فيها المحسوبيات والمجاملات وتصفية الحسابات هي بيئات طاردة للكفاءات وجالبة لعينات متسلقة من الموظفين تستند في حمايتها إلى علاقاتها بمراكز قوى داخل وخارج المنشأة.. وعادةً ما ينتشر في هذه البيئات سوء استخدام لمؤشرات تقييم الأداء.
* الترقية والنمو: من الطبيعي أن يسعى كل موظف لتطوير حياته الوظيفية بالتقدم والترقي وهي دافع للعمل والإبداع.. على المنشآت أن تلتزم الشفافية مع الموظفين وتعلمهم بما مدى فرص تحقيقهم للترقيات، وعليها أن تمتلك الإجابات لأسئلة مثل: مدى وجود فرص حقيقية لمستقبل الوظائف وهل تناسب الموظفين الحاليين، وهل جسم المنشأة يسمح بنمو الموظفين لديها؟.
تقول الدراسات إن ملتقيات الأصدقاء القدامى والمناسبات الاجتماعية هي أكثر البيئات التي تولد فكرة ترك الوظائف! حيث يقارن بعض الموظفين المقهورين مثلاً حالهم بحال زملاء أو أقرباء لهم.
إن المنشآت المحترمة تنظر لموظفيها على أنهم ثروة لا يجب التفريط بها، لها حقوق كما أن لديها واجبات، وعلى العكس فإن المنشآت المعتلة تنظر لموظفيها على أنهم عبء يمكن تبديلهم في أي وقت ولا تلبث تلك الأخيرة إلا أن تكون عرضة لخطر الانهيار.