في حوار لطيف مع صديقتي لفتت انتباهي إلى حالة اجتماعية مُلاحَظَة وإن لم تصل إلى مستوى الظاهرة ولكنها تستحق التأمل؛ وسأطرحها لكم من -منظور اجتماعي متخصص- حين توجد في مكان عام كمقهى أو مطعم قد تلاحظ مصادفة أنَّ بعض الأزواج يجلسون في حالة صمت شبه طويل، يفتقدون للغة الحوار الدافئ بينهما، وفي المقابل نجد أن جلسات الأصدقاء أو الصديقات على العكس تمامًا، تضجُّ بالأحاديث والضحكات التي تملأ المكان بالطاقة الهائلة من السعادة والبهجة والفرح ويكاد الحوار الجميل بينهم لا ينتهي أبدًا.
وهنا لابد من وقفة تساؤل؟
لما غاب الحوار الفكري بين الزوجين سواء داخل المنزل أو خارجه؟ أين الحلقة المفقودة وهمزة الوصل الضائعة في تلك العلاقات الزوجية؟
يصِل الكثير من الأزواج بعد سنوات من العِشرة إلى ما يسمى بالاعتياد الذي قد يدفع المؤسسة الزوجية إلى الانطفاء ببطء، فتصبح الحياة الزوجية مُهددة بمرض الرتابة والملل والذي قد يؤدي إلى نوع من الفتور والانفصال العاطفي أو الفكري وتصبح الحياة كالجليد بحاجة إلى تدفئة وإعادة ضخ الدماء إلى شرايينها لانعاشها وإعادتها كما كانت في البدايات الجميلة، ويقع الحِمل هنا على عاتق كلا الزوجين لكسر نمط الروتين اليومي وخلق نقطة التقاء حواري بينهما، بقيام كل طرف بالبحث عن اهتمامات الطرف الآخر ومشاركته تفاصيله التي يحبها وإحياء الأيام المميزة التي تجمعهما وتجديد الحياة باستمرار لئلا تصل الحياة الزوجية إلى آخر قطرات كأس الالتقاء العاطفي والفكري فتتلاشى منها الروح وتبقى جسدًا بلا نبض.
إذا تم التعامل مع المؤسسة الزوجية كشركة يقوم فيها كل طرف بأداء واجباته وأدواره الأسرية دون مشاعر وعواطف تحتوي الأعضاء داخلها ستكون النتيجة هي حياة زوجية جليدية قاسية ومُنهكة للجميع، ويُصبح الخروج مع أفراد الأسرة ثقيلًا كمهمة عمل ينتظر الانتهاء منها سريعًا! أو محاولة الهرب من أجوائها الخانقة بالبقاء خارج المنزل لأطول وقت ممكن، هنا لابد من جلسة مصارحة وحوار هادئ بين الزوجين لمعرفة أسباب تسلّل شبح البرود إلى حياتهما وكيفية علاجه قبل تضخمه وتحوله إلى طلاق عاطفي قاتل.
فهناك الكثير من البيوت القائمة كديكور اجتماعي خارجي وتستمر في تجديف قاربها في مياه الحياة الراكدة ارضاءً للمجتمع وداخلها هش مُفكك يخلو من الود والتآلف ويفتقد إلى الترابط الأسري الهام لبناء أفراد أسوياء في بيئة أسرية سليمة لذلك فمن أهم مقومات ثبات البناء الأسري هي حبال المشاعر الصادقة التي تربط أفراد الأسرة الواحدة بقوة فيجتازوا أمواج الحياة معًا.
لتعيش حياة سعيدة تمسّك بتلك الحبال ولا تقطعها، ولا تبحث عن الكمال في شريك حياتك بل أحببه بعيوبه ولا تقارنه أبدًا بالآخرين ولا تنظر إلى البديل، بل انظر إليه باختلاف وود ورحمة، وهناك مقولة جميلة للشاعر الصوفي شمس التبريزي "إذا كنت تبحث عن الكمال فأنت لا تبحث عن الحب لأن معجزة الحب تكمن في عشق العيوب".
اصنع صداقة زوجية مع شريك حياتك الذي اخترته لتُكمل معه بقية رحلتك العمرية، استمتع بكل لحظات صحبتكما معًا، وانثر المتعة والبهجة في طريقكما، فالصداقة هي فتيل استمرار الحياة الزوجية وهي الباقية إن امتد العمر ووهن الجسد وزال الجمال المادي، سُئل مُسن؛ ما السر الذي جعلك تعيش حياة طويلة؟ فأجاب "لأنني تزوجت المرأة التي أحببتها"، فالعلاقة الزوجية القائمة على الصداقة هي التي يشتعل فيها الحب ويتجدد باستمرار دون انطفاء، ومهما كانت مصاعب الحياة وقسوتها تظل تلك العلاقة تتوهج بوميض الالتقاء والاحتواء وتدوم بالصداقة الزوجية.