* اكتشف كثيرون خلال شهور الجائحة، أنّهم يفضّلون الاعتزال وتنمية مواهبهم الفردية، وتأكّد لهم أنّ بعض علاقاتهم الاجتماعية مجرّد عبءٍ يجب التخلّص منه، وهنا الفرق بين الشعور بالوَحدة، بمعنى أن تفتقد غيرك، وبين الاعتزالِ، وهو أن تمتلئ بذاتك.
* قد يكونُ أحدهم ماهراً في علاقاته الاجتماعية والعملية، لكنّه يختارُ الاعتزال وتجنّب الاختلاط بالناس، إلا لضرورة مُلحّة لا تحتملُ الإفلات.. لكن من الضروري تقدير أنّ مفاهيمَ العزلة الاجتماعية الاختيارية، والتعامل مع عددٍ محدودٍ من المَعارف، والاقتصار على الأصدقاء المُتقاربين فكرياً.. من علاماتِ ارتفاع مستوى الذكاء وانضباطِ الانفعالات، وأسبابِ السّعادة.
* أظنّ أن الاعتزال والاستقلالَ المعنوي، هما ما يتطلّع إليهما الإنسان، فهو في أصله ليس كائناً اجتماعياً بالضرورة، بل كائنًا أنانيًّا يتوق للتفرّد والتحرّر.. ومن أجل الوصول إلى الله، يختار بعضُهم الاعتزال والتأمّل، وهما أصلان في التصوّف الدّيني، والارتقاء الفكري، والتسامي الروحي، فالنفس مُنفردةٌ يُمكن أن تذوقَ عمق المعرفةِ واليقين، إذ يكمن السرّ في التخلّي عن الشوائب، والانفصالِ عن الابتذالِ والسّياق العام.
* إنّ الاعتزال أمرٌ ضروري لاستجلاب السّعادة الروحية للأذكياء والنُّجباء والمفكّرين والحكماء، فوجودُهم في أوساط الناس واخلاطهم، يشوّش عليهم حلاوة السّكينة، ويمنعهم من تنمية ملَكاتهم وتطوير نشاطاتهم الفكرية.. إنّ الإبداع الحقيقي لا يتأتّى إلا بالاعتزال الاختياري عن التيّار السائد، وبمعنى آخر: التحرّر من المجتمع بأسره، ولو لبعض الوقت.
* يُشير الفيلسوف (ميشيل دي مونتين) إلى ضرورة أن نحتفظ لأنفسنا «بغرفة خلف الدكّان»، يكون فيها أحدنا حُرًّا بشكلٍ حقيقيً، من غير مشاركة أحدٍ تماماً، فمكان كهذا شديد الخصوصية، ضروريّ للشعور بالسعادة النفسيّة غير المُعتمدة على أحدٍ إطلاقاً، وفي هذا يقول الفيلسوف (شوبنهاور): «إنّ البائسَ يستشعر بؤسه في عُزلته التي لا يُطيقها، كما يستشعرُ الرّاقي عظمته وسموّه بكل جوارحه أيضاً في وَحدته، إنّ العزلةَ هي الميزانُ الذي تُقاس به جودةُ الأشخاص من عدمها».
* مِن فنونِ الاعتزال الاجتماعي، عدم خروجك على الناس بجميعِ ما فيك، ولا خروجك لهم في كلّ حينٍ، وتجنّب توفّرك لكلّ شخصٍ، أو لشخصٍ معيّنٍ في كلّ وقتٍ.. لا تكن قابلاً للتنبؤ والتوقّع دوماً، والمهمّ حقاً، أن تدع جزءاً كبيراً منكَ لك وحدك.