اللغة العربية لغة توقيفية من عند الله، وهي لغة حية متجددة، ثرية بمفرداتها وألفاظها، فهي الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم؛ إذ يستخدمها أكثر من ملياري مسلم في جميع أنحاء العالم، بمن فيهم الـ400 مليون عربي الناطقين بها، فهي لغة القرآن الكريم، وفرائض الإسلام وشعائره لا تؤدَّى إلّا بها، في مقدمتها الصلاة، التي لا تتم إلّا بتلاوة آيات من القرآن الكريم.
كما أنّ العربية لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية، حيث كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى، كما نجد عدد اللغات التي أصبحت الحروف العربية أساسية لكتابتها 25 لغة، منها الفارسية والكردية والأردية والكشميرية والبنجابية... وغيرها، كما توجد لغات تكتب من اليمين إلى اليسار مثل العربية، وتوجد (217) لغة مكتوبة بالأبجدية العربية منها: هاوسا والجاوية والطاجكية، وتانة (المالديف) والتوسوكية... وغيرها، وكانت اللغة العربية لغة العلوم لعدة قرون، فظل الطب يُدرَّس بها في الجامعات الأوروبية، على مدى أربعة قرون منها جامعة السوربون في فرنسا، ولكن للأسف أصبح الطب يُدرَّس الآن في جامعات البلاد العربية باللغة الإنجليزية، بل أصبحت معظم العلوم في كثير من الجامعات في بلادنا العربية تُدرّس باللغة الإنجليزية، رغم ثراء اللغة العربية بمفرداتها، فبحسب المصادر والمراجع ومعاجم اللغة العربية فإنّ عدد كلمات اللغة العربية يبلغ 12 مليون و303 آلاف كلمة دون تكرار، ومقارنة باللغة الإنجليزية فإنّ عدد كلمات اللغة العربية يعادل أكثر من 20 ضعفًا لعدد كلمات الإنجليزية التي تتكوّن من 600 ألف كلمة.
وهذه الإحصائية تُبيِّن مدى تقصيرنا نحن العرب نحو لغتنا الجميلة الثرية، رغم ثرائها، وتُعد ركنًا من أركان التنوع الثقافي للبشرية، ويتوزع متحدثوها بالمنطقة العربية وعرب الأحواز وعديد من المناطق الأخرى المجاورة، كتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا.
ومع هذا لم يحتفل العرب بلغتهم بتخصيص يوم من أيام السنة للاحتفال بها سنويًا؛ إلّا عندما قرّرت الأمم المتحدة الاحتفال بها في 18 كانون الأول/ ديسمبر، وهو يوم صدور قرارها رقم 3190 (د-28) المؤرخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 1973 المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة؛ إذ بموجب هذا القرار بات احتفال ناطقي اللغة العربية بلغتهم - لغة القرآن الكريم - يكاد يقتصر على هذا اليوم من كل عام، فتُعقد الندوات، وتُقام الفعاليات، وتُقدَّم البرامج التلفازية والإذاعية عن اللغة العربية، ولكن للأسف الشديد ينحسر هذا الاهتمام باللغة العربية من قبل الغالبية العظمى من الناطقين بها بانتهاء هذا اليوم، باستثناء المختصيِّن والمهتمّين بها، فنجد في بعض الجامعات في مختلف البلاد العربية تُدرّس معظم موادها باللغة الإنجليزية، إضافة إلى انتشار المدارس والجامعات الأجنبية في البلاد العربية التي يحرص الآباء والأمهات على إلحاق أولادهم وبناتهم بها رغم ارتفاع رسومها السنوية.
ونجم عن هذا أنّه أصبح معظم أولادنا وبناتنا لا يتقنون اللغة العربية تحدثًا وكتابة، بدليل امتلاء صفحات التواصل الاجتماعي والواتساب بالأخطاء اللغوية والإملائية حتى من قبل بعض أساتذة الجامعات، وبعضهم يُدخل كلمات أجنبية أثناء تحدثهم أحاديث إذاعية أو تلفازية، أو أثناء إلقائهم محاضرات أو أورق عمل في مؤتمرات، والكارثة الكبرى أنّك تجد أخطاء لغوية وإملائية في بعض كتب المناهج الدراسية للمواد الدينية، كما نلحظ وجود أخطاء لغوية ونحوية في نشرات الأخبار وفي عناوين الصحف الورقية والالكترونية، إضافة إلى الأخطاء الإملائية فيما يكتب على شاشات التلفاز من أخبار.
فكم نحن مقصّرون في حق لغتنا الجميلة، فلم نحافظ عليها كما حافظ عليها أجدادنا وآباؤنا، ولم نعمل على انتشارها كما عمل أجدادنا الأوائل، حتى أصبحت لغة العلوم التي تُدرّس في جامعات العالم في أزمانهم، وعلى مدى أربعة قرون.
هذا ونجد جامعة دمشق هي الجامعة العربية الوحيدة التي عرّبت دراسة الطب؛ إذ بدأت تدريسه باللغة العربية منذ عام 1919م رغم محاولات الانتداب الفرنسي عرقلة هذه الخطوة الرائدة وفرض لغته.
حبذا الاستفادة من التجربة السورية، مع الجمع بين تدريس المصطلحات الطبية وسائر مصطلحات العلوم التجريبية باللغتين العربية والإنجليزية، مع عمل دورات لغة عربية لمذيعي ومذيعات الأخبار ومقدمي ومقدمات البرامج الإذاعية والتلفازية، مع الاهتمام بنطق الحروف من مخارجها الصحيحة.
إنّ اللغة العربية لغة القرآن، أمانة في أعناقنا علينا أن نحافظ عليها.