Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

المسخ الأخلاقي

A A
يتّسم التقدّم الفكري بالبطءِ والتراخي، بينما يتميّز التقدّم التّقني والترفيهي بالسّرعة الفائقة والتطوّر المُذهل، وهنا يظهر التباينُ الكبير بين منطق التقنية ومنطق الأخلاق في بعض المجتمعات.. إنّ الأديان تقوم على أُسس الأخلاق وليس العكس، والأخلاقُ بمجملها إنسانيةٌ في الأصل، ومن هنا يجب النظر إلى الأخلاق الحميدة بوصفها شرطاً سابقاً لتعاليم الدّين ومقاصد الشّرع، وكما جاء في الحديث الشّريف: «إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارمَ الأخلاق».

يقول (جون كارل فلوجل): «لا توجد علاقةٌ مباشرة بين المعرفة والذكاءِ من جهة، وبين السُّلوك الخُلُقي من جهةٍ أخرى».. فالتعليمُ الجمعي، يتسبّب في نشر وهم المعرفة، فيبقى الإنسان مُغتبطاً بما تعلّمه، وهو في الحقيقة موهومٌ مخدوعٌ مُظلمٌ فكرياً، بل يتحوّل أحياناً إلى مسخٍ بشري غير سويّ الفكر والسلوك، وكائنٍ أنانيّ همجيّ، ليس له من نصيب الإنسان إلا اسمه.

وخلال غمرة الهوس بسدّ الذرائع، تمّ إهمال الأخلاق الإنسانية والأدب الاجتماعي وسلوكيّات الذوق العام.. ولعلّ هذا ما يفسّر ولو جزئياً، انفلاتَ عقْد الأخلاق، واضطراب السّلوكيات العامّة في مجتمعاتٍ حديثةِ العهد بالانفتاح الثقافي، والتي لم يتلقّ كثيرٌ من أفرادها قسطاً مُعتبراً من التربية المدنيّة والتعليم الجيّد، ولم يُسعفهم رصيدُهم من احترام الذات وأدب التّعامل، على الرّغم من استخدامهم مُستجدّات التقنية الحديثة، وتمكّنهم من طُرق الحياة المدنية.

وفي عصرنا الحاضر، تُعتبر حيازة المال الوفير، مؤشراً على الفضيلةِ الاجتماعية، فالمال ذاته اكتسبَ قيمةً أخلاقية عالية، وأصبح أساساً لاستحقاق المكانة الاجتماعية، فالمالُ الوفير، قد يرفع لدى الشخص مستوى الشُّعور بالاستحقاق الشخصي من التقديرِ والمكانة والمديح والرّفاهية، ولو كان جاهلاً تافهاً سفيهاً، فضلاً عن أنّ معايير البطولة والشُّهرة قد اختلّت، وصارت محاولاتُ التأقلم معها إشارةً على تشوّه الشخصية، وانعكاساً بائساً للبحث عن الهويّة الاجتماعية الضائعة.

وعموماً، فمحاولاتُ زيادة الوعي في المجتمعات المتأخرة فكرياً وتربوياً وسلوكياً، ضروريةٌ وأساسية، لكنها لا تكفي، فظروفُ التربية والتعليم والثقافةُ الموروثة، لا تساعد على إصلاح السُّلوكيات غير المُنضبطة وانتظام الناس في صفوف آدمية والتزامهم بالذوق العام، لذا، فإنّ القانونَ والنظام ضابطان أساسيّان، ومن روادع السُّلطان التي لا ينافسها وازعُ القرآن، وعندما يعتادُ الناس على تطبيق القانون العادل، واتّباع النظام الإنساني والذوق العام كطبيعةٍ ثانيةٍ لهم، يمكنُ عندها القول: هناك أمل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store