نشأت جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945م؛ حيث تم التوقيع والتصديق على ميثاقها من قبل حكومات السعودية ومصر وسوريا والأردن والعراق ولبنان واليمن الشمالي، وهي الدول المستقلة آنذاك باستثناء مصر التي كانت تحت الانتداب البريطاني إلى 18 يونيو 1956م، حيث تمّ إجلاء آخر جندي بريطاني عن أرضها، ثم انضمَّت باقي الدول العربية على التوالي إليها عند حصولها على استقلالها. وأُنشئت الجامعة لأهدافٍ من أهمها: توثيق الصلات بين الدول العربية، والحفاظ على استقلال الدول الأعضاء، وتنسيق الخطط والسياسات والتعاون فيما بينها، والتعاون مع الهيئات الدولية لكفالة الأمن والسلام وتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وجاء ميثاق الجامعة الذي مضى عليه الآن (77) عاماً مؤكدًا على هذه الأهداف. وتختلف أوضاع البلاد العربية اختلافًا جذريًا عمّا كانت عليه عند تأسيس الجامعة وكتابة ميثاقها والتصديق عليه، وإن أجريت بعض التعديلات على بعض مواده في سنواتٍ متفرّقة، ولكنّه لا يزال يُحيِّد الجامعة تجاه ما تشهده البلاد العربية من أحداث تُهدِّد استقرارها وسيادتها، بخضوع بعضها تحت هيمنة قوى إقليمية تتحكم في قراراتها السياسية من خلال وكلائها الذين جنّدتهم لتحقيق مخططاتها في الدول العربية بالمنطقة.
ومن المحزن حقًا الغياب التام لجامعة الدول العربية، ووقوفها موقف المتفرّج، وهي تشهد لبنان تحتضر وتئن من الجوع والذل تحت تهديد قوة سلاح إيران الذي في يدي وكيلها «حزب الله». كما نجدها عاجزة أمام اعتداءات الحوثيين المتكررة بالصواريخ والمسيِّرات على المدنيين في مناطق مختلفة من المملكة العربية السعودية، وكذلك على المدنيين اليمنيين وتجنيد صغارهم وخطف نسائهم وتهجيرهم، وملاحقتهم في مخيمات نزوحهم بالصواريخ والألغام، والحيلولة دون وصول المعونات الغذائية إليهم.
والعجز ذاته نلمسه فيما يحدث في العراق، من اغتيالات للمعارضين للتواجد الإيراني في العراق، ومحاولة اغتيال الكاظمي رئيس الحكومة العراقية، وسيطرة المليشيات الموالية لإيران على القرار السياسي في العراق، وتأخر المصادقة على نتائج الانتخابات لأكثر من شهرين.
أمّا ليبيا فالإجراء الوحيد الذي قامت به الجامعة جراء موجات ما سُمّيت بثورات الربيع العربي التي شهدتها ليبيا في مارس2011، دعت الجامعة آنذاك مجلس الأمن إلى فرض منطقة حظر جوي على ليبيا في محاولة لحماية المدنيين من الهجمات الجوية، ولكن نجدها صمتت أمام تدخل بعض دول الناتو لدعم الجماعات المتمردة في ليبيا في ثورتها ضد القذافي بغاراتٍ جوية تحت ذريعة تحقيق الديمقراطية والاستقرار فيها، ولكنّ تدخلها العسكري أدى إلى نشوب حرب أهلية؛ حيث أصبح السلاح المنفلت منتشرًا في أيدي الأطراف المتنازعة، وتكوّنت المليشيات المسلّحة التي تناصر كل فريق ولا تزال موجودة، ومنذ ذلك الحين لا تزال ليبيا تحت الوصاية الأممية ودول الناتو، التي مكّنت الإخوان من ليبيا، وأتت بحكومة فايز السراج، ثم حكومة عبدالحميد الدبيبة اللذين عزّزا تواجد تركيا في ليبيا، التي أتت بمرتزقتها من سوريا، إلى جانب وجود مرتزقة أتت بها روسيا، ومرتزقة إرهابيين أفارقة من الدول الإفريقية المتاخمة لحدود ليبيا الجنوبية، وباتوا يشكلون خطرًا على السكان المحلييّن، وانقسمت ليبيا إلى شرق وغرب وشمال وجنوب، وفي ظل هذا الانقسام وانفلات السلاح حدّدت الأمم المتحدة والدول التي فرضت وصايتها على ليبيا يوم 24 ديسمبر2021 لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية نتج عنه عدم تحقيق الاستحقاق الانتخابي، وهذا هو المتوقع؛ إذ المفروض أن يتم أولاً إلزام الحكومة المؤقتة بإخراج جميع المرتزقة، وإلزامها بتعهداتها بعدم ترشح أعضائها للانتخابات الرئاسية ومساءلتهم، فإن كانت النية صادقة في توحيد ليبيا وتحقيق الاستقرار لها؛ لتمّ ذلك، لكن إجراء انتخابات في الوضع الحالي سينتهي الأمر إلى ما انتهى إليه.. والمؤلم حقاً موقف جامعة الدول العربية الصامت تجاه ما يحدث في ليبيا واليمن ولبنان والعراق وسوريا. كذلك عجزها عن فض المنازعات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية مثل الوساطة والتحكيم.
لذا أناشد القادة العرب أن يعملوا على تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، وإعطائها صلاحية اتخاذ القرارات الحاسمة، وعدم السماح للدول الأجنبية والإقليمية التدخل في شؤون أية دولة عربية، أو وجود مليشيات مسلحة أو استخدام مرتزقة في أي بلد عربي، وإلزام المليشيات الموجودة فيها بتسليم أسلحتها لجيوش بلادها، وتوقيع عقوبات رادعة على المخالفين، وترحيل المرتزقة، وإنشاء محكمة عليا تابعة للجامعة لمحاكمة عملاء الدول الأجنبية والإقليمية.