الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعله في أحسن تقويم، وكمَّله بكل ما يحتاجه في مسيرته الحياتية، وجعل لكل إنسانٍ عقلاً يحمل في مكوِّناته الكثير من الأسرار ومواطن الإعجاز من حيث قوّة التحمُّل، ودقّة الصنع، وسرعة وجودة الأداء، ليكون هذا الإنسان قادراً على التحكُّم في مسيرته الحياتية بدقة وإتقان، ويستطيع تنفيذ ما كُلِّفَ به، من عبادة للخالق سبحانه وتعالى، وإعمار للأرض، وكسب لقمة العيش، وكافة المهام الحياتية الأخرى، ولو عدنا إلى التعريف بذلك المكوّن العظيم لذُهلنا من عِظَم تلك الأسرار في مكوّناته، ولعل أبرزها أن المكتشفات العلمية الحديثة بيَّنت أن أشهر علماء الأرض لم يستخدموا من ذلك العقل العظيم سوى 10٪ فقط من قوّته الحقيقية التي يكتنزها في داخله، فكيف بالله لو استخدم أكثر من ذلك، وما يُؤكِّد هذا الاكتشاف العلمي هو ما نشهده الآن من حجم التسارع الهائل في المكتشفات العلمية في مختلف المجالات الحياتية، ولهذا أكَّد الله سبحانه وتعالى في كتابهِ الكريم على أهمية استخدام ذلك العقل الاستخدام الأمثل في آيات كثيرة، أذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر: قال تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون).. وقال تعالى: (ومن نُعمِّره ننكِّسه في الخلق أفلا يعقلون).. وقال تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون).
وبالعودة إلى واقع الحال الذي يعيشه العالم الإسلامي قديماً وحديثاً، لوجدنا أن العقل يُواجه حرباً ضروساً من قِبَل البعض بحججٍ واهية، تخفي خلفها أموراً تتنافى مع أوامر الله سبحانه وتعالى نحو ذلك العقل وسبل استخدامه، كالادعاء بأن المُفكِّرين والمبدعين والفلاسفة يخرجون عن نطاق متطلبات الدين، وهذا ليس بحق، بينما الحق أن السبب هو خوفهم من زلزلة أماكنهم ومكانتهم التي بنوها تحت مظلة هذا الدين، ولنا في قصص من مضى في العصور الأولى خير دليل، كما حدث للكثير من أعظم الفلاسفة والحكماء، ذلك العصر الذي أُنهيت حياتهم إما قتلاً أو حرقاً، أو وصفهم بالكفر أو الزندقة، كابن سينا، وجابر بن حيان، وابن المقفع، وابن رشد، والجاحظ... وغيرهم كثير.
ولا زال قمع الفكر وتحجيم المبدعين يحدث حتى اليوم في بعض الدول الإسلامية، وللأسف أن أغلب مَن يقوم بتلك الحروب على العقل هم فئةٌ من القائمين على أمور الدين.. فمتى يتحقق للشعوب النامية وخاصة الإسلامية منها أن تُطلق عقول المبدعين والمخترعين والفلاسفة منهم، الذين يعدون الأقرب والأقدر على فهم مطالب الدين ومطالب الحياة معاً؟!.. نتمنى ذلك. والله من وراء القصد.