رغم تكالب القوى الدولية على التحكم في أحوال ليبيا وفق مصالحها السياسية والاقتصادية والإستراتيجية على حساب أمن وسلامة ووحدة المواطنين الليبيين واستقرار الأوضاع في بلادهم والنهوض بها وتنميتها، وفي الاجتماعات الدولية التي تعقدها تلك القوى بحضور الأمم المتحدة، اقتصر الحديث عن انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا، وكذلك المرتزقة الأجانب، دون التطرق إلى المليشيات المسلحة، والتواجد الإيراني في ليبيا، وكأنّهما ليسا من معوقات الاستقرار في ليبيا، وإنهاء الصراعات فيها بين القوى المحلية والإقليمية (تركيا وإيران) والقوى الدولية، وحتى تركيا في الأغلب لا يُصرَّح باسمها.
وتواجد إيران في ليبيا ليس بغريب وبعيد، فهي متواجدة في بلاد المغرب العربي، ومتوغلة في إفريقيا، ونشطة في نشر التشيُّع هناك لكسب ولائهم لها، وتحويلهم إلى وكلاء لها في القارة الإفريقية بكاملها، كما جعلت من مليشيا الحشد الشعبي وحزب الله العراقي في العراق، وحزب الله في لبنان، والجيش السوري في سوريا، ومليشيات الحوثيين في اليمن وخلاياها النائمة من الشيعة في بعض دول الخليج العربي، وهي تريد بهذا تطويق المملكة العربية السعودية من كل الجهات بهدف الانقضاض عليها، إلى جانب أهدافها الأخرى.
والحضور الإيراني في ليبيا ليس بالجديد، فقد كانت هناك روابط قوية بين النظام الإيراني ونظام معمر القذافي، من ذلك:
1. ما قدّمته ليبيا من دعم سياسي وعسكري لإيران خلال الحرب العراقية، كما كانت ليبيا أول دولة تمنح إيران صواريخ سكود- بي الباليستية لاستخدامها ضد العراق.
2. ما شهدته ليبيا وإيران بعد الحرب العراقية الإيرانية من تعاون اقتصادي ودبلوماسي مكثّف، تضمَّن هذا التعاون مجال تكنولوجيا الصواريخ.
وفي تسعينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحادي والعشرين، كانت هناك أنباء متداولة على موافقة إيران على تقديم المساعدة الفنية لبرنامج الصواريخ الباليستية، وبرنامج الصواريخ الباليستية قصيرة المدى لنظام القذافي، مقابل الحصول على ملايين الدولارات.
ومن هنا نجد معمّر القذّافي هو أوّل من زوّد إيران بالصواريخ الباليستية لتستخدمها في حربها مع العراق.. ولم يتوقف التواجد الإيراني في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي، ويمكن تلخيص دورها بعد الثورة الليبية في الآتي:
1. عمدت إيران إلى انتهاج دور سري وغير مباشر من الأزمة سواء كان ذلك بنقل أسلحة إيرانية الصنع أو تقديم الدعم العسكري، أو عبر الانخراط في أنشطة غير مشروعة.
2. أعلنت انحيازها لحكومة الوفاق المنتمية لتنظيم الإخوان والمتقاربة معها فكريًا، وذلك عند زيارة جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني الأسبق إلى تركيا في شهر يونيو (حزيران) 2020م، الذي أكد خلالها بشكل معلن وواضح تأييد طهران لحكومة الوفاق الليبية المدعومة من أنقرة، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره مولود جاويش أوغلو.
وقال ظريف: «نحن ندعم الحكومة الشرعية في ليبيا، وهي قادرة على إنهاء الحرب المستمرة»، مضيفًا: «لدينا وجهات نظر مشتركة مع الجانب التركي حول سبل إنهاء الأزمة في ليبيا واليمن». ونلاحظ هنا ربطه ليبيا باليمن.
3. ظهور بعض المؤشرات على أنّ المقاتلين العراقيين الشيعة المدعومين من إيران، والمعروفين باسم «سرايا أنصار العقيدة»، شاركوا في المعارك الدائرة في ليبيا بجانب المليشيات الموالية لحكومة السراج.
4. إضافة إلى مساعدة طهران لتركيا في نقل المرتزقة من سوريا إلى ليبيا لتخفيف الضغط على نظام بشار الأسد المدعوم من إيران، وللحيلولة دون تورط طهران في حرب استنزاف على عدة جبهات للقتال.
5. كشفت بعض التقارير عن تورط إيران في تهريب أسلحة وعتاد على متن سفن شحن إلى المليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق في ليبيا بالتنسيق مع حليفتها تركيا.
6. أظهرت بعض صور الأقمار الصناعية وجود عدد من المسلحين المنتسبين لمليشيا شيعية عراقية في ليبيا، متدخلين في المعارك الدائرة هناك.
رغم هذا التواجد الإيراني في ليبيا الشديد الخطورة، إلّا أنّه لم يرد له ذكر في التحليلات الإخبارية في القنوات الإخبارية، مع أنّه ممتد إلى باقي دول الشمال الإفريقي (تونس والمغرب والجزائر)، وشرق وغرب إفريقيا الذي كان الهدف منه نشر التشيُّع، وتكوين مليشيات مسلحة لها في القارة السمراء، وتوسيع نفوذها، وإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط، وتطويق المملكة العربية السعودية من الشرق الإفريقي.
إنّ وجود الإخوان مع أكثر من 300 مليشيا مسلحة في ليبيا، تعتبر بيئة خصبة لوجود مليشيات مسلحة موالية لإيران، وممولة منها، تخدم أهدافها في البحر المتوسط والشمال والقرن الإفريقي، خاصة إن تولَّى الرئاسة سيف الإسلام القذافي.