شهد الأسبوع الماضي تصعيداً إعلامياً وعسكرياً ودبلوماسياً - ولازال التصعيد متواصلاً - فيما بين موسكو وواشنطن يتعلق بأوكرانيا، وبتساؤل عما إذا كانت روسيا ستغزوها. وتشعر أمريكا أن روسيا بوتين تخطت مرحلة الضعف الطويلة التي تعرضت لها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وتعتبر نفسها الآن قوة عظمى باقتصاد قوي وصناعة عسكرية متقدمة وجيش ضخم، وعليها أن لا تقبل بعد الآن الزحف الذي تمارسه أمريكا، عبر حلف الناتو، لتوسيع تواجدها العسكري في دول أوروبا الشرقية التي كانت الخاصرة الغربية لها. ولذا تقف موقفاً حازماً من احتمال التحاق أوكرانيا بحلف الناتو، وطالبت بأن تتراجع أمريكا عن تشجيع أوكرانيا للانضمام إلى الحلف، ووافقت على التقاء وزير خارجيتها، سيرجي لافيروف، بوزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، يوم الجمعة الماضي في جنيف لمناقشة هذا الأمر، واشترطت عدم مشاركة أي دولة أخرى في هذا الاجتماع. وتقدمت بمذكرة مكتوبة طالبت فيها بخروج الغرب - بما فيه حلف الناتو - من دول شرق أوروبا التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو الذي شكلته موسكو حينها لمواجهة حلف الناتو قبل تفكك الاتحاد السوفيتي. وطالبت بأن تقدم أمريكا لها ضمانات بأن لن يتاح لأوكرانيا ولا جورجيا الالتحاق بحلف الناتو، وأن تتعهد واشنطن بعدم إقامة قواعد عسكرية نووية في أي من دول شرق أوروبا، واستمر اللقاء ساعة ونصف بالاتفاق على لا شيء سوى استمرار المحادثات.
مشكلة أمريكا أنها لا تستطيع الالتزام بمطالب روسيا كاملة، خاصة وأن دول أوروبا الشرقية والغربية دول مستقلة، ونفوذها عليها لا يُشبه النفوذ الذي كانت تتمتع به موسكو في دول أوروبا الشرقية أيام الاتحاد السوفيتي. إلا أن روسيا ألمحت بأنه إذا قامت أمريكا بوضع صواريخ نووية متوسطة المدى في أوروبا، فإن روسيا ستفعل المثل في عدد من دول أمريكا اللاتينية على الحدود الأمريكية، مثل كوبا وفنزويلا ونيكاراجوا. وفي نفس الوقت لم تجد واشنطن حماساً كافياً من أوروبا بدعمها ضد روسيا، فبينما أرسلت بعض الدول الأوروبية أسلحة لمساعدة أوكرانيا في حالة زحف الروس عليها؛ إلا أن دولة كبيرة هي ألمانيا رفضت المشاركة في تسليح أوكرانيا، أو المشاركة في الدفاع عنها، وأرسلت فرنسا بعض الأسلحة، إلا أن الرئيس الفرنسي خاطب البرلمان الأوروبي نهاية الأسبوع الماضي قائلاً: إن على أوروبا الحوار مع موسكو مباشرة، مما أغضب الأمريكيين. ويخشى الأوروبيون أن يتوقف الغاز الذي يصلهم من روسيا فيما إذا قامت معارك في أوكرانيا، وتحاول واشنطن مساعدتهم في ذلك بمحاولة إقناع قطر بشحن الغاز إلى أوروبا بكميات تكفي لتدفئتهم في فترة الشتاء القاسية الحالية، وستجري محادثات مع أمير قطر بهذا الشأن عندما يزور واشنطن بنهاية الشهر الجاري.
لا أحد يعرف كيف سيتصرف بوتين، وما إذا كان جيشه سيغزو أوكرانيا أم أنه سيسعى إلى معالجة الأمر بطريقة أخرى. لكن يكاد أن يكون هناك إجماع على أن الدب الروسي لن يستسلم بدون اختبار قوة مع الغرب. وقد قام بسحب عدد من دبلوماسييه من أوكرانيا وعائلات الدبلوماسيين، وأعلنت واشنطن أنها ستفعل نفس الشيء، مما يشير إلى احتمال حدوث تطورات أمنية قد تكون عمليات إرهابية أو هجوماً عسكرياً. وفي نفس الوقت تبحث إدارة الرئيس جو بايدن عن حلول، وأخذت أجهزة الإعلام الأمريكية تتحدث علناً عن المخرج المناسب لأمريكا مما يحصل الآن.
شاهدتُ مساء السبت الماضي برنامجاً على شاشة CNN ظهر فيه أحد أعضاء الكونجرس الديموقراطيين عن كاليفورنيا، ومن قادة التقدميين (الليبراليين المتطرفين) يقول فيه: ما الذي يتوقعون من بايدن القيام به؟ المحاربة عن أوكرانيا؟ والتضحية بأرواح أمريكية هناك؟.. وأقترح حلاً يراه مناسباً، وهو أن تعود أوكرانيا إلى (حيادها)، ويتساءل المذيع كيف يكون ذلك؟، فقال:
إن أوكرانيا كانت محايدة حتى قريب (ربما حتى عام 2014) ثم تحوَّل الأمر الآن. والحل الأمثل كما يقول هو أن تعلن أوكرانيا أنها على الحياد، ولا ترغب في معاداة روسيا. ويدل هذا الكلام على أن الحزب الديموقراطي الذي يعتمد على دعمه الرئيس جو بايدن لا يرغب في أي مواجهة مع روسيا، ويفضل الحوار الذي أعلنته إدارة بايدن من سابق؛ كمبدأ سياسي لها في تعاملها مع دول العالم، وإذا ما فشل الحوار، كما يتوقع الآن، فعلى أمريكا أن تطلب التدخل من صديق. ومن الصعب تصور أن تظهر إدارة بايدن ضعيفة أمام التحدي الروسي، خاصة أن شعبية بايدن داخل أمريكا في أدنى مستوياتها، ولا توجد بين يديه انتصارات ترفع من شعبيته، ما لم يصل إلى حل مع بوتين بدون مواجهة عسكرية، وهذا أمر ربما يحتاج إلى معجزة.