إنه من باب الإنصاف، الإشارة إلى بعض مساهمات المفكرين الغربيين في دراساتهم لظاهرة القيم الإدارية في مجتمعاتهم، حيث انطلقتْ نداءات متكررة في حِقَب زمنية متعاقبة بضرورة الاهتمام بالجوانب الأخلاقية للرؤساء والمديرين في المستويات القيادية، ومن ثم الموظفين.
فقبل أكثر من ألفي عام من التقويم الميلادي، أدلى فلاسفة اليونان بدلوهم في مسألة الأخلاق، وعلى رأسهم سقراط (399ق.م.) الذي ربط بين العقل والفضيلة.. أيّ كل ما يقبله العقل محمود، وكل ما يرفضه مذموم.
ولو تفحصنا قول هذا الفيلسوف المعروف بسقراط الحكيم، هل هو قول مقبول؟ كلا.. لا يمكن قبوله كمعيار لقياس السلوك الأخلاقي للإنسان؛ لأن العقل ومدى استيعابه واقتناعه بسلوك معيّن، لا يستقرّ على حاله في كل زمان ومكان.. فما هو معقولٌ في الهند مثلاً، لا يُتوقّع أن يكون كذلك في أفريقيا أو أوروبا أو أستراليا أو في غيرها، وليس هذا فقط ما فات على هذا الحكيم، بل توجد عوامل أخرى تؤثّر على قدرة العقل البشري لسلوك معيّن مثل السن، ومستوى التعليم، والعقيدة، والميول، والعادات، والتقاليد، والأعراف التي لا يمكن أن تكون واحدة، وإنما باختلافها وتباينها، تلغي معيار سقراط الحكيم لاتخاذ العقل مقياساً للسلوك الأخلاقي.
وفضلاً عن ذلك، يوجد احتمال كبير أن ما كان فضيلة في فترة زمنية معيّنة في الماضي، بناءً على استيعاب العقل لسلوك معيّن، قد يصبح رذيلة في الوقت الحاضر.. فاختلاف هذه العوامل بصفة عامة، لا تقود إلى إجماع على طبيعة السلوك بأنه فضيلة أو رذيلة. وفي مقال آخر سيكون استكمال الحديث مع علماء آخرين تحدّثوا عن نفس الموضوع، والله من وراء القصد.