الإمام فرد تَقدَّم المُصلِّين ليَؤُمَّهم في الصلاة؛ نظرًا للمؤهلات التي يمتلكها، ومنها التقوى والصلاح وحسن الخلق، وهذه تأتي بعد التراتبية التي أقرَّها الرسول صلى الله عليه وسلم في إمامة المصلين حينما قال: «يَؤُم القومَ أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً، فأعلمهم بالسُّنة...». من هذا يُعلم أن قارئ القرآن الماهر به هو الأَولَى بإمامة المصلِّين، ثم يليه مَن توافرت فيه بعض الاشتراطات الواردة في الحديث أعلاه، ولو أمعنَّا النظر في تلك الاشتراطات فلن نجد بينها ما يشير إلى زِيِّ الإمام أو لونه أو جنسيته.. إلخ.
على تلك التراتبية التي أقرها المصطفى نزل الجميع في مسألة الإمامة، وعليها أيضًا نزلت (وزارة الشؤون الإسلامية) بالمملكة؛ فالجميع يجعل من إجادة تلاوة القرآن شرطًا أوليًّا في إمامة المصلين، ثم ما يليها من اشتراطات وردت في الحديث الشريف. الذي استجد في الأمر هو ظهور اشتراط جديد للإمامة، وهذا الاشتراط قد يكون جاء دون تخطيط مسبق ودون توجيه من أي جهة، وإن كان قد جاء من جهة فلن تكون إلا الجهة المسؤولة عن المساجد والأئمة وهي وزارة الشؤون الإسلامية. الاشتراط المعني هنا هو وجوب تزيِّي الإمام غير السعودي بالزي السعودي (الثوب والشماغ-الغترة)، والإشكالية لا تقع مع (الإمام العربي)؛ كون زيه مشابهًا -إلى حد بعيد- للزي السعودي؛ وإنما مع الإمام (الأعجمي) وخاصة من دول كالباكستان وبنجلاديش والهند والحبشة، فهؤلاء لهم زيهم المختلف (كليًّا) عن الزي السعودي ولا يتقاطع معه. ولأن بعضًا منهم تخرَّج في حلقات التحفيظ في بلاده أو في المملكة؛ فإنه سيكون حافظًا للقرآن أو لأجزاء منه، وسيكون على معرفة جيدة بأحكام التجويد، وبهذا يحقق شرط (أقرؤهم لكتاب الله)، من هذا المنطلق فإنه يصبح مؤهلاً لإمامة المصلين.
ما ينبغي التنبيه عليه هو أن هؤلاء الأئمة (غير السعوديين) ليسوا أئمة (رسميين) يتقاضون (مكافأة-مرتبًا) من وزارة الشؤون الإسلامية ولا يتبعون لها وظيفيًّا؛ وإنما تستدعي الحاجة حضورهم في إمامة المساجد التي غالبًا ما يكون فاعلو الخير هم الذين بنوها وينفقون عليها بإشراف الوزارة. الذي يحصل هو أن الإمام الأعجمي -وعندما أقول أعجمي فلكي أبيِّن أنه من دولة غير عربية وهو ما يعني أن زيَّه سيكون مغايرًا للزي السعودي- بمجرد قبوله الإمامة فإن أول اشتراط يواجهه بعد اشتراط (أقرؤهم لكتاب الله) هو اشتراط (الزي السعودي)، وهذا يتطلب منه أن ينسلخ من زيه التقليدي ويتزيًّا بزيٍّ ليس له ولم يعتد عليه، وربما بدا في مظهر غير متناسق بسبب عدم اعتياده عليه، يضاف لذلك أنه سيبدو بشخصية وهيئة مزدوجة، وهذا ربما سبب له حرجًا مع أبناء وطنه، بل ربما يكون -في قرارة نفسه- غير راض عن هذه الازدواجية، ولكنه يضطر تحت إلحاح الحاجة للمادة. هنا تقفز أمامنا عدة تساؤلات يمكن توجيهها لوزارة الشؤون الإسلامية ومنها: هل تعلم الوزارة عن هذا الأمر؟ وإن كانت تعلم فهل هي التي وجَّهت به؟ وهل توجيهها من باب السعودة (الظاهرية) لمن يعمل في مرافقها؟، وهل ترى أن إمامة غير السعودي للمصلين لا تصح إلا بالزي السعودي؟، وماذا سيُقال عن الإسلام وهو يجعل من الزي الوطني شرطًا لصحة الصلاة؟، وأين ذهبت سماحته وقبوله بالتنوع والاختلاف بين أتباعه حتى في المذاهب وبعض العبادات فضلاً عن الزي؟، وإن لم تكن وجهت به فلماذا لا تلتفت له وهو الجليٌّ الواضح أمامها وتَفصل فيه؟.
الذي يترجح لدي هو أن الوزارة لم توجه بهذا الأمر وإنما وجهت بعدم إمامة غير السعودي للمصلين، ولذا اجتهد القائمون على هذه المساجد وحاولوا التوفيق بين منع الوزارة وحاجة المساجد للأئمة، فطالبوا هؤلاء الأئمة غير السعوديين -وخاصة غير العرب- بأن يتزيوا بالزي الوطني السعودي من باب التورية وسد الذرائع على الوزارة، ولهذا فلعل الوزارة تسمح (علانيةً) بإمامة غير السعودي -في مساجد فاعلي الخير وعلى حسابهم- وتحت إشرافها وفق اشتراطات ليس من بينها الزي؛ حتى تنتهي قضية (التصنع والازدواجية) التي (يُضطر) لها أولئك الأئمة غير السعوديين (وخاصة غير العرب منهم).