تحدثت في مقالين سابقين عن بعض مساهمات المفكرين الغربيين في دراساتهم لظاهرة القيم الإدارية في مجتمعاتهم، وأشرت إلى ما تحدث به فلاسفة اليونان في مسألة الأخلاق وعلى رأسهم سقراط وأفلاطون. بقي فيلسوف يوناني مشهور شارك برأيه في تحديد إطار أخلاقي للسلوك، وهو أرسطو (322م)، الذي نادى بالتمسك بالموقف الوسط في التحلّي بالأخلاق دون عُلُوّ أو دُنُوّ.
ولدي سؤال هنا: كيف يكون الشخص ذا خُلقٍ وسط في صفة كالصدق مثلاً؟ هل يمكن تَصَوُّر أن يكون الإنسان نصف صادق، ونصف كاذب؟ أم يكون نصف صالح، ونصف طالح؟ أم طيّباً في النهار، وسيئاً في الليل. المهم عند الفيلسوف أرسطو هو أن يشعر الشخص بالسعادة ولذّتها، فإذا تحقق له ذلك؛ فإنه لا يعاني شيئاً في مسألة الأخلاق، فهي تسير على هواه، وتصبّ في مصلحته..
ولهذا مجّد أرسطو في كتاباته اليونانيين، وذمّ غيرهم الذين اعتبرهم برْبراً وعبيداً، فسقطتْ نظريته الأخلاقية منذ اللحظة الأولى من التصريح بها؛ بسبب أساسها العنصري. وبناءً على هذه الاتجاهات الفلسفية في مجال الأخلاق؛ ظهرتْ القاعدة السلوكية المعمول بها في المجتمعات الغربية محلّيّاً ودولياً حتى الآن من نتاج ميكيافِلّي -أحد تلامذة الفلاسفة اليونانيين- وهي قاعدة: (الغاية تبرر الوسيلة).
ويصرّح معظم زعماء الغرب بأن لا صداقة تحدد سياساتهم في تعاملهم من المجتمعات الأخرى، أو مراعاة لأوضاعهم، أو التزاماً باتفاقيات مبرمة معهم؛ وإنما مصالحهم هي البوصلة التي تحدد مواقفهم وتبنَى عليها قرارتُهم، فهم يطبقون المبدأ الميكيافلّي بأن أهدافهم هي التي تحدد اتجاههم بغض النظر عن وسائلهم المتّبعة.