إن الإنسان طيب بفطرته، فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل مولود يولد على الفطرة)، ذكرني ذلك برسالة على بريدي الإلكتروني من صديق في جامعة ويلز -كريس برايس- كان أحد زملائي في فريق كرة القدم بالكلية، وقد ذكرت سابقاً أنه كان طالباً وقتها في قسم علوم الحاسب بجامعة ويلز، وكيف أنه قام بتسليمي مفتاح مكتبه المجهز بأحد الأجهزة؛ لكي أتمكن من كتابة رسالتي للدكتوراه، بعد أن نمى إلى علمه ما كنت أُعانيه من مضايقات عند استعمال غرفة كتابة الرسائل في الجامعة؛ لوجود بعض الطلبة العرب الذين كان لهم موقف مضاد لموقف دول الخليج من الغزو العراقي للكويت في فترة التسعينيات من القرن الميلادي الماضي.
المهم، تلقيتُ اتصالاً من ذلك الصديق من يومين يسأل عني، وعندما أخبرته أنني في مدينة لندن لمدة قد تطول لأسبوعين، أصر أن يأتي لزيارتي والاطمئنان والسلام عليّ، خاصةً وأنه في ملتقى عن وظائف المستقبل يُقام في كلية امبريال بلندن.. وعلى الرغم من مروري بوعكة صحية، إلا أنني احتراماً لهذه الشخصية، دعوته على الإفطار في مقهى النخبة (ولسيلي) الكائن في شارع البكاديلي، المقهى الذي افتتح منذ العصر الفيكتوري في القرن الثامن عشر الميلادي.. كانت مناسبة جداً جميلة مع هذا الأستاذ المتمكن في مجال الذكاء الاصطناعي.
أثناء اللقاء ذكَّرني بمحاضرة كان قد دعاني لها أقيمت في قسم الحاسب بكلية العلوم وأنا طالب في قسم الإحصاء بالكلية في تلك الفترة، وكانت بعنوان: (المستقبل في التعليم عن بعد)، وكيف ساعد هذا النوع من التعليم في إيصال المعلومة في عصر الجائحة، بغض النظر عن المكان والزمان وبتكاليف أقل.
وعن وظائف المستقبل ذكر أن الجامعات قد بدأت بالفعل في تكييف مناهجها ومخرجاتها؛ لتتماشى مع الانفجار المعرفي الذي قضى على ما نسبته 50% من الوظائف، وقد تصل النسبة إلى 75% على الأقل بنهاية 2030م -والكلام لكريس برايس-..
وعند سؤاله عن الوظائف الآمنة، ذكر أنها غالباً تلك التي تحتاج إلى مهارات.. بعدها غادر الصديق، وكان - كما عهدته من أكثر من ثلاثة عقود - غاية في لطف التعامل والتواضع، على الرغم مما يحمله من مادة علمية غزيرة، على أمل اللقاء مرة أخرى.