شهدت المملكة خلال الأيام القليلة الماضية هجمات إجرامية قامت بها جماعة الحوثيين الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، استهدفت عدداً من المواقع المدنية والمنشآت النفطية، في تصرفات تنم عن الوحشية والهمجية، وتؤكد ضحالة تفكير قادتها وعدم إدراكهم لردة فعل المجتمع الدولي الذي لا يمكن أن يتسامح بأي حالٍ من الأحوال مع أي تصرفات تُهدِّد استمرار تدفق إمدادات الطاقة من منطقة الشرق الأوسط نحو الأسواق العالمية بدون مهددات.
بدءاً، ينبغي الإشارة إلى أنه لا توجد مصلحة للحوثيين في استهداف منشآت الطاقة السعودية، ولا توجد مكاسب يمكن أن تحققها، لكن لأنها لا تملك قرارها ولا تستطيع سوى تنفيذ توجيهات أولياء نعمتها في طهران، فإنها تقوم بهذا الدور إنابة عنهم، دون أن تضع في حساباتها مصلحة الشعب اليمني، وما يمكن أن يجره ذلك عليه من ردة فعل عالمية غاضبة.
حتى النظام الإيراني نفسه، يبدو أنه لا يستوعب الدروس السابقة، ولا يجيد الحسابات السياسية وتغليب المصالح العامة، فالنظام الذي يتفاوض حول برنامجه النووي ويريد تحقيق اختراق في حالة الجمود التي تعتري المفاوضات، قام بتوجيه ضربة لكل جهوده نحو التخلص من العقوبات الدولية التي أرهقت اقتصاده، ودفعته إلى حافة الانهيار التام.
إن كانت طهران تتصور – حسب أفقها السياسي الضيق – أن بإمكانها ابتزاز المجتمع الدولي عبر الإيعاز لعميلها الحوثي بارتكاب هذه الجرائم، فإنها تكون قد ارتكبت خطأ قاتلاً، لأن من شأن هذه التصرفات أن تلفت نظر العالم من جديد نحو سجلها الإرهابي الحافل، وتدفع المفاوضين للتشدد حول الضمانات التي تطلبها لتقليص دورها الإقليمي، ووقف تدخلاتها السالبة بحق دول الجوار.
أما إن كانت طهران تريد تقديم نفسها كمصدر نفطي بديل للمملكة عبر الإيحاء بعدم استقرار منطقة الخليج العربي، واحتمال توقُّف الإمدادات النفطية بسبب هذه الأحداث الإرهابية، فإن ذلك يدخل أيضاً في باب السذاجة السياسية، لأن العالم كله يدرك أن النفط السعودي لا يمكن تعويضه بالإنتاج الإيراني، سواء من حيث الكمية أو النوعية.
كذلك فإن المملكة لعبت طوال السنوات الماضية دوراً كبيراً في استقرار الاقتصاد العالمي عبر الحفاظ على أسعار عادلة لكافة الأطراف، وقدمت الكثير من التنازلات في سبيل تحقيق ذلك، ومارست سياسة عادلة وجدت الإشادة من جميع الأطراف. كما أنها - إضافة إلى كل ما سبق - تتمتع بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والدبلوماسية المعتدلة، لذلك لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف مقارنتها بدولة خارجة على الشرعية الدولية، كل تركيزها ينصب في افتعال المؤامرات واختلاق الأزمات.
وبعيداً عن الحسابات الإيرانية المتضاربة التي لا يستطيع حتى ساسة طهران استيعابها، لأنها لا تقوم على إستراتيجية ثابتة أو مواقف مبدئية، فإن ما يهمني في هذا المقام هو الإشارة إلى أن الصبر الذي تمارسه المملكة، والتزامها بضبط النفس قد لا يكون متاحاً خلال الفترة المقبلة، بعد أن تجاوز الظالمون المدى، وتجرأت جماعة الحوثيين بأكثر مما يمكن احتماله.
وإن كانت السلطات السعودية تمارس ذلك الصبر الجميل في ما مضى انطلاقاً من مكانتها، فإنها ستكون في حل من كل التزام، ومن حقها أن تقوم بالرد الذي يضمن لها أمنها واستقرارها ويحافظ على أرواح شعبها والمقيمين على أرضها ويصون مكتسباتها.
لذلك، ورغم تأكيدها التمسك بالجهود الخليجية الرامية لجمع أطراف الأزمة اليمنية للوصول إلى حل سلمي، إلا أن الرياض أدركت حتمية توجيه ضربات جوية ساحقة لتحييد مصادر الخطر الحوثي، وتدمير الأسلحة التي أمده بها النظام الإيراني، فكانت العمليات التي استهدفت مواقع محددة في صنعاء والحديدة والصليف، والتي دمرت العديد من مخازن الأسلحة. المملكة حتماً ستواصل ردها المناسب على تلك التجاوزات التي تهدد أمنها، ولها في ذلك مطلق الحق، وموقفها الدفاعي يحظى بتأييد دولي كبير خلفه، فقد أدانت تلك الجريمة كافة منظمات المجتمع الدولي، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، والدول الإقليمية، وأقر جميع هؤلاء بحق السعودية في الدفاع عن نفسها. فالعالم كله يدرك ضرورة التصدي للممارسات الحوثية السالبة التي تشكل خطراً على حركة التجارة العالمية بتهديد الممرات المائية الدولية، وهو ما يمكن أن يتسبب في اضطراب الاقتصاد العالمي كله.
الرد السعودي الحاسم سوف يجلب المتمردين صاغرين إلى طاولة المفاوضات، فقد أكدت التجارب السابقة أنهم لا يتجاوبون إلا مع الضغوط المستمرة، وأن أسلوب القوة هو الوحيد الذي يجد لديهم آذاناً صاغية، وهذه طبيعة الإنسان صاحب العقلية المتمردة؛ الذي يتمسك باستمرار الأزمة ولو على جماجم المدنيين.