عنوان المقال معناه الالتزام، أو التكوين، أو التفضيل المنزلي.. ومن أغرب تطبيقاته تجدها في عالم السلاح.. ومن أهم الأسلحة «البيتوتية» الصنع، التي انتشر اسمها بعد قيام حرب أوكرانيا، هي كوكتيل «المولوتوف».. وهي عبارة عن قنينة زجاجية بحجم يعادل حوالى ثلاثة علب «بيبسي»، مليئة بخلطة مواد بسيطة حارقة، لتُصبح كأنَّها قُنبلة يدوية شديدة الاشتعال.. وتتميَّز بكونها سهلة التصنيع، ونراها على أخبار الحرب يوميًا.. وقد استخدمت عبر التاريخ الحديث في النزاعات المختلفة، كسلاح الضعفاء ضد الأفراد، والمنشآت، والمركبات بأنواعها وأوزانها المختلفة، وهناك طرفة تستحق وقفة تأمُّل وهي اسم السلاح البيتوتي، وهو: «كوكتيل مولوتوف».. وكأنه من الأسلحة السوفيتية الفعالة البسيطة للطبقات الكادحة.. ولكن الموضوع ليس كما نتخيَّل، بل هو قمة السخرية.. وإليكم التفاصيل: في نهاية الثلاثينيات الميلادية من القرن العشرين، كانت أوروبا تغلي سياسياً.. حيث قامت الحرب الأهلية الإسبانية عام ١٩٣٦، وبعدها جاء غزو تشيكوسلوفاكيا من النازيين، ثم غزو القوات النازية لبولندا، وبلجيكا، وهولندا، وفرنسا... وغيرها، وتزامنت مع تلك الغزوات مجموعة اتفاقيات للسلام، التي كانت من أهمها الاتفاقية التي عقدت بين الاتحاد السوفيتي وفنلندا، ولكن لم يتم الالتزام بما جاء فيها، فأصبح معظم محتواها مجرد حبر على ورق، ومنها غزو الاتحاد السوفيتي لفنلندا بقوات وصلت إلى أكثر من نصف مليون رجل، وخمس آلاف دبابة، وألف طائرة.. وبدأ الهجوم في ديسمبر ١٩٣٩ بالغارات الجوية المكثفة على العاصمة «هلسينكي».. وألقيت قنابل حارقة شديدة المفعول.. واعترض رئيس الوزراء الفنلندي علناً على تلك الوحشية، فجاء رد وزير الخارجية السوفيتي «مولوتوف» رسمياً، أن الطائرات قامت بإلقاء سلَّات غذائية، يعني الجماعة فهموا غلط، رمينا سلَّات سكر وشاهي، ودقيق وزيت، وططلي وكده يعني.. ويمكن ولعت بالغلط.. فجاءت نكتة الحرب الأكثر رواجاً، باختراع كوكتيل لذكرى كذبة وزير الخارجية السوفيتي «مولوتوف».. كأن القنبلة البيتوتية الحارقة من مكونات السلة الغذائية.. وبدأت بعض المصانع ومئات البيوت الفنلندية بتصنيع الخلطة الحارقة بطرق مختلفة.. وتكونت الأسطورة.. وكانت إحدى أوجه عبقرية الاختراع هي سهولة تصنيعه، وتخزينه، ونقله، واستخدامه، وبالرغم من هزيمة فنلندا أمام القوات السوفيتية الهائلة بعد ثلاثة أشهر من الحرب، وسقوط عاصمة البلاد، فقد تألقت القوات الفنلندية في المعارك، وخصوصاً أنها كانت بارعة في بيئة الصقيع الفنلندية على أراضيها، واشتهرت تلك الحرب باسم «حرب الشتاء».. وتكبَّدت القوات السوفيتية أكثر من مئة ألف قتيل، وآلاف الدبابات في عدوانها.. وأنتجت فنلندا أكثر من نصف مليون «كوكتيل»، تسببت في تدمير مئات الدبابات السوفيتية.
جدير بالذكر أن الدبابات اليوم تعمل بوقود الديزل، ولكن في ذلك الوقت كانت تعمل بالبنزين سريع الاشتعال، وكانت تحتوي على فتحات للتهوية للطاقم، ولذا، ساهمت تلك العوامل في رفع حساسيتها للسلاح البدائي ورفع معدل الخسائر السوفيتية.
* أمنيـــــــــة:
من المحزن أن يعيش العالم في زمان تتألق فيه عبقرية تصنيع الأسلحة «البيتوتية»، بدلاً من اختراعات مقاومة الجوع، والفقر، والجهل، أتمنى أن نرى الابتكارات التي تفيد ولا تضر، والتي تبني ولا تهدم بتوفيق الله، وهو من وراء القصد.