وضوح المؤسسة الحكومية أو الشركة في تعاملها مع المنتمين لها والمستفيدين من خدماتها التي تُقدِّمها؛ يُعدُّ أهم مرتكز من مرتكزات الثقة فيها. على هذه الثقة تترتب أمور أخرى تتمثل في حالة الاطمئنان لدى المنتسبين للمؤسسة أو الشركة، ولدى العملاء، وتتمثل في زيادة الموثوقية فيما تقدمه، وزيادة الإقبال عليها؛ ثقةً بمصداقيتها وعدالتها، وأدائها الحقوق الواجبة عليها.
الأسبوع الماضي نشرت صحيفة مكة تقريرًا عن موقف القطاعات الخدمية مع حقوق مستخدمي تلك القطاعات، وذكرت الصحيفة أن «الحق والواجب متلازمان، وأساس كل علاقة، كما جرى العرف ونص القانون، هو الالتزام بالحقوق وتطبيق الواجبات، وهذا لا يقتصر على العلاقات العاطفية أو التجارية فقط؛ بل يشمل المعيشة الاجتماعية أيضًا، حيث تلتزم كل مؤسسة خدمية بتوضيح قانون تعاملاتها المجتمعية، ما لها وما عليها من الفرد وتجاهه».
ثم أوردت الصحيفة عددًا من القطاعات الخدمية، بل وعدداً من الوزارات، وبيّنت أسماء القطاعات التي وضعت لوائح وأنظمة تكفل حقوق العملاء، وتلك التي لم تضع لوائح وأنظمة لحقوق العملاء، وكانت (المياه الوطنية) على رأس القطاعات التي لا يوجد لديها نظام لحقوقِ المستخدِمين بحسب الصحيفة. وعطفًا على عنوان المقال، فإن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات (CITC) تأتي بحسب (مكة) ضمن القطاعات التي لديها ميثاق لحقوق العملاء، وتلتزم بنظام حماية العملاء ودعمهم، وعلى هذا فقد طلبتُ -قبل أسبوعين- من إحدى شركات الاتصال التابعة للهيئة أن تحوِّل جوالي من المفوتر إلى مسبق الدفع، وظل موظفو الشركة يقولون إنهم رفعوا لي طلبًا بذلك، ومطلوب مني ألا أتصل ولا أستخدم البيانات لمدة قد تستغرق يومًا وربما تصل إلى ثلاثة أيام، وفي نهاية اليوم الأول أجد الطلب مغلقًا دون أن يُنفَّذ ودون أن يذكر لي الموظفون سببًا للإغلاق، بل يرغبونني في البقاء على المفوتر، ويقولون: إن عملية التحويل تستغرق وقتًا، وليس بالإمكان إجراؤها (بضغطة زر) كما كنت أقول لهم.. وهكذا لمدة خمسة أيام يُرفع الطلب أول اليوم ويُلغى في آخره، ثم اضطررتُ لرفع بلاغ لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات عبر موقعها على الشبكة، فقامت الهيئة بالاستفسار من الشركة المشغلة التي ردت بعذر (مضحك)، وهو ما جعل الهيئة لا تقبل به، وبالتالي أصدرت قرارها الذي نصّه: «بعد دراسة وقائع الشكوى، قررت الهيئة إلزام مُقدِّم الخدمة بتحويل الاشتراك المفوتر إلى مسبق الدفع، وإسقاط المبالغ المترتبة على الخدمة المفوترة من تاريخ الطلب، وتقديم ما يُثبت تنفيذ هذا القرار».
مرَّ يوم على القرار، وفي اليوم التالي اتصل أحد موظفي الشركة معتذرًا، وقام بإلغاء المبالغ المترتبة على الخدمة المفوترة من تاريخ الطلب، والمضحك -وهنا الشاهد- أن الموظف قام (في الحال وبضغطة زر) بإلغاء المفوتر، وهو الأمر الذي كان موظفو الشركة يُؤكِّدون على أنه يستحيل إجراؤه.
انتهت الحكاية، والمؤكد أن هناك حكايات عديدة مشابهة، سواء مع بعض شركات الاتصالات أو الجهات الخدمية الأخرى، لكن هل كل القطاعات لديها ميثاق لحقوق العملاء وتلتزم بحمايتهم؟، هذا غير حاصل في كثيرٍ منها، وهل يستطيع كل العملاء المطالبة بحقوقهم؟، هذا فيه صعوبة.
من هنا يتوجب في حق كل القطاعات الخدمية، أن تلتزم بحقوق العملاء والمستفيدين، وأن تُسارع بالبت فيها، لا أن يكون ذلك الالتزام شكليًّا، ولهذا أرفع لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات العقال على تفهمها وسرعة إنجازها وإنصافها، وكلي أمل ألا تكتفي بالفصل في القضايا وإنصاف الشاكي من الشركات التابعة لها فقط؛ بل تتخذ فوق ذلك (إجراءات عقابية رادعة) تجعل الشركات المُقصِّرة لا تتمادى في غيها ومماطلاتها، فإصدار الحكم بإعطاء العميل حقه بعد طول مماطلة لن يضر الشركة –أي شركة- شيئًا، وستبقى تمارس هذا الأمر مع بقية العملاء (بهدف إبقائهم تحت مقصلة الاشتراكات غالية الثمن)، مما يضطر أكثرهم للبقاء تحت هيمنتها.