العرب في الجاهلية، لم يكونوا أهل علم، فقد كان الجهل فاشياً فيهم -خصوصاً في الأقطار البدوية- فكما ذكر ابن خلدون في مقدمته: «الكتابة والعلم إنما يكثران حيث يكثر العمران».. وروى الرحالة أحمد بن يحيى البلاذري، في كتابه «فتوح البلدان»: إن الإسلام دخل وفي قريش فقط سبعة عشر رجلاً يكتب، منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وأبوعبيدة بن الجراح - رضي الله عنهم أجمعين -، وقليل من نسائهم كن يكتبن، كحفصة من زوجات النبي، وأم كلثوم من بناته - صلى الله عليه وسلم -، وسواء صح هذا أو لم يصح، فالحجازيون والمضريون قبل الإسلام كانوا أشد بداوةً وأكثر أُميّة، فلما جاء الإسلام أصبح لمكة المكرمة شأنٌ علمي كبير لأنها منبع الإسلام.
في مكة المكرمة قبل الهجرة، استكتب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بعضاً من الذين يعرفون الكتابةِ ما ينزل من القرآن، فكان منهم أُبي بن كعب وزيد بن ثابت، وأول من كتب له من قريش عبدالله بن سعد، ثم كتب له عثمان بن عفان - رضي الله عنهم -.. ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة خلف فيها معاذاً بن جبل، وكان من أعلم الصحابة ومن أقرأهم للقرآن.. وعلم بمكة الصحابي عبدالله بن عباس –حبر الأمة وترجمان القرآن- فكان يجلس في البيت الحرام، يُعلِّم التفسير والحديث والفقه، وإليه وأصحابه يرجع الفضل فيما كان لمدرسة مكة المكرمة من سمعةٍ علميةٍ، وقد تعلَّم في هذه المدرسة الكثير من التابعين وتابعي التابعين - رضوان الله عليهم أجمعين -.