شهر رمضان الفضيل الذي أُنزل فيه القرآن هدًى ورحمةً للعالمين.. شهر تتصافى فيه القلوب، ويعود الود والإخاء بين الأهل والأصحاب والجيران.. تجمعهم ساعة الإفطار لفكِّ الريق على حبَّات رطب من تمور المدينة المنورَّة، وكأس من معين ماء زمزم يروي الظمأ.. وقد أصبح ماء زمزم متاحًا لكلِّ بيوت العبادة ومراكز التسوَّق.. يتناولها الشارب بعد ترديده الدعاء المأثور: (اللهمَّ إنِّي لك صمت وعلى رزقك أفطرت.. ذهب الظمأ، وابتلَّت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله).
في المدينتين المقدَّستين؛ مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة غالبًا ما يتناول الصائمون وجبة الإفطار في الحرم ما بين أذان المغرب وإقامة الصلاة.. في الوجبة، علبة لبن زبادي وقطعة خبز أو سمبوسك، بعد مذاق فنجان من القهوة السعوديَّة.. وتكون تكملة وجبة الإفطار مع الأسرة في البيت، وعلى مائدتها عصائر الفاكهة الطازجة، وشراب العرقسوس مقدِّمة للشوربة والسلطة وطبق الفول المدمَّس وحبَّات من أقراص خبز التميس الذي تخصَّص في خبزه المقيمون من الأفغان.. وتعقب هذا استراحة قصيرة، فالعودة إلى الحرم لأداء فريضة صلاتي العشاء والتراويح.. من ثمَّة، تمشية بتوقُّف قصير في بيوت الأكبر سنًّا من الأهل والأقارب للتهنئة بالشهر المبارك، فجولة حول ساحات الحرم التي تزدحم بضيوف الرحمن، حيث تنصب فيها موائد الطعام والحلويات من قبل المطاعم والمطابخ والمتبرعين لكسب الأجر وبكمِّيات تفوق ما يستهلكه المتحلِّقون حولها مما يعرُّضها للغبار والذباب، ناهيك عن التزام المقبلين عليها بنهم قبل غسل اليدين.
وليت الجهات الرسميَّة تشترط على المطابخ ومجهِّزي الموائد التي تقدَّم في الساحات حول الحرمين الشريفين تعبئة الوجبات في حافظات مراعاة شروط الصحَّة والسلامة كتلك التي تقدَّم للمسافرين بالطائرات والقطارات، وفي الأربطة التي تضم المعوزين وكبار العمر ممن قسى عليهم الزمن.. ويكون في ذلك العطاء امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُورًا﴾.. وتبقى (النظافة من الإيمان) في الشهر الفضيل وقاية للصحَّة وسنَّةَ الحياة.