يخطئ من يظن أن هناك زوجة من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت قلبه مثل السيدة خديجة بنت خويلد ما عدا السيدة عائشة بنت الصديق التي حظيت بذلك بعد وفاة خديجة رضي الله عنهما، فكيف إذا استحوذت أمنا خديجة رضي الله عنها على قلبه صلى الله عليه وسلم وملكت منه كل خلية في نفسه وجسمه؟ إنه الحب الهادف الممنهج، الحب الذي تمتلئ النفس منه رحيقًا عذبًا ويحمل بين جناحيه المسؤولية ويحلق في عالم الإنجاز ويمنح الدعم اللوجستي لمن يحب وتتبصر به خلايا القلب طريقها وتفرز به خلايا الغدد هرموناتها وتتناغم فيه الروحان ويلتحم فيه الزوجان فينتج عنه تحقيق إنجازات طلبها الله منهما بالإضافة إلى إمتاع نفسيهما وجسديهما ويتكون من خلالهما الأسرة والذرية، وقد كان ذلك للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وزوجه خديجة رضي الله عنها فكان نسلها الطاهر زينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة وعبدالله والقاسم.
لقد دخلت خديجة قلب محمد عندما منحته الثقة بالإشراف على تجارتها واقتنعت بأخلاقه ولمح منها شدة الإعجاب بأمانته فبسطت يدها له فوكلته على حلالها ومالها فكان ذلك سببًا في الاقتراب منها أكثر وعرفها من خلال وصف بعض قريباته لها فزادت معرفته بها أكثر وعرف من تكون خديجة، لقد ارتسمت شخصيتها في ذهنه إنها صاحبة العفة والاستقامة والفكر التجاري، إنها الحضن الدافئ له في نزول الشدائد وجديد الأمور.
إن وقفاتها الجميلة والسديدة معه في أزماته إرهاصات لمواصفات الزوجة المطلوبة في حياته كإنسان صاحب مهمة فرشحها ذلك على الفور أن تكون زوجته فطلب عليه السلام من إحدى قريباته أن تتقدم لخطبتها والزواج منها ثم تمكنت من قلبه أكثر بعد ما تزوجها لأنها مثلت في حياته الدعم النفسي واللوجستي ليس له شخصيًا فقط إنما كذلك كانت أكبر داعم لما أرسله الله به وهو الإسلام، فكانت أول امرأة دخلت الإسلام وهذا أحد أهم الأسباب التي جعلها تدخل قلبه، خاصة يوم أن جاءه الوحي لأول مرة في غار حراء فانطلق إليها وهو يقول دثروني دثروني فجعلت من قلبها سكنًا له ومن نفسها أُنسًا له فغطته بروحها واستمعت إليه وكلها وعي لما يقول فملأت بحديثها المطمئن نفسه عليه السلام إيمانًا وراحة بال، وكانت له عونًا على منهج حياته في تبليغ الدعوة فنشر الإسلام عندهما من الحب الذي ربط بينهما وقرب قلبيهما إلى بعضهما، فدخلت السيدة خديجة رضي الله عنها قلب محمد صلى الله عليه وسلم لأنها شاركته دعوته وإسلامه ولأنها وقفت معه مطمئنًا ومناصرًا وداعمًا عندما قفل عائدًا من غار حراء بعد أن نزل عليه الوحي وقد ارتجفت بوادره وهو ينادي خديجة ويقول: ياخديجة مالي؟ لقد خشي الرسول الكريم عليه السلام مما رآه ولأول مرة يحدث في حياته فريحت باله بعبارات جميلة وهي قولها : «كلا، ابشر، فوالله إن الله لا يخزيك أبدًا إنك لتصل الرحم وتكسو المعدوم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق» وبهذا الحب والود والرغبة الصادقة في إسعاد زوجها والقيام بالمسؤولية نحو ما كلفه الله به ومساعدته في كل شأن من شؤون حياته ومتطلبات رغباته من بداية ما تعرف على بعضهما حتى توفاها الله فكانت هي حبه ومتطلب قلبه، فرضي الله عنها وأرضاها وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.