* (الأوقاف) في ثقافتنا الإسلامية لها رسالتها الكبيرة والعظيمة في خدمة الإنسان (تعليمه، وسكنه، وصِحته، ومعيشته)، بل اللمسات الحانية لـ(تلك الأوقاف) وصلت إلى محطات غريبة وعجيبة، فقد احتضنت (الشّام) -في عصورٍ خَلَت- أوقافاً للعناية بالكلاب الضَّالة، والقِطَط العمياء والجريحة والمكسورة، وكذا الخيول المُسِنّة، وفي (بلاد المغرب)، كان هناك وقْف بالقرب من شاطئ البحر، مهمته تأمين الطعام والماء للطيور المهاجرة.
******
* والعَالَم المتطور يحتفي اليومَ بـ(الأوقاف واستثماراتها)، وإن اختلفت المسميات، التي منها (القطاع الثالث)، باعتباره مُكمِّلاً وداعمًا للقطاعين الحكومي والخاص، فـ(90%) من جامعات الغرب تعتمد في مصروفاتها على (الأوقاف)، فمثلاً وقْف (جامعة هَارفرد) تتجاوز قيمته الـ(40 مليار دولار).
******
* وإذا رجعنا لـ(مجتمعنا السعودي الطّيّب) نلمسُ اهتمامه بـ(الأوقاف الخيرية)، فبعض الإحصائيات أشَارت إلى أنَّ عدد الأوقاف المسجلة في السعودية يصل للرقم: (124 ألف وقف)، فيما يُضاف لها نحو (600 وقف جديد سنوياً)، بقيمة تصل إلى (54 مليار ريال).
******
* هذا، وإيماناً من حكومتنا الرشيدة بأهمية هذا القطاع، فقد جاء الأمر بإنشاء (هيئة خاصة ومستقلة بالوقف) عام 1431هـ، لِتَصْدُرَ أنظمتها وسياساتها التفصيلية سنة 1437هـ، والتي تهدف إلى تنظيم الأوقاف، والمحافظة عليها، وتطويرها، وتنميتها، بما يُحقِّق شروط واقفيها، ويُعزِّز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكافل الاجتماعي، وفقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية والأنظمة.
******
* (هيئة الأوقاف) خلال السنوات القليلة الماضية قدَّمَت جهوداً كبيرة ومبادرات رائعة في وضع التشريعات التنظيمية والإرشادية، وكذا تحقيق التَّمكين والرَّقْمَنَة والحوكمة والشفافية والاستدامة المالية، إضافةً لِسعيها الجَاد في حَصْر الأوقاف، وتَبَنِّيها للدراسات والأبحاث في هذا الميدان.
******
* ومع تقديري لكل تلك الجهود، فما أرجوه من القائمين على (الهيئة)، الخروج من دائرة التنظير والعمل المكتبي؛ إلى فضاءٍ أوسع، فيه الحرص على زيادة أعداد الأوقاف وتفعيل أدوارها على أرض الواقع، وذلك من خلال إطلاق برامج توعوية متطورة وجاذبة؛ تستثمر لغة وأدوات ومنصَّات العصر كافة؛ لنشر ثقافة الوقف في شَرايين المجتمع بمختلف أطيافه، وتسليط الضوء على عطائهِ النبيل واللامحدود الدّاعم للتنمية المستدامة في شتى المجالات.