أصبحت البرامج الحوارية تقليداً من تقاليد رمضان كما ترون.. تتسابق القنوات كل عام ليكون ضمن جدولها برنامج حواري يقوم على استضافة شخصيات ناجحة في الأوساط الاقتصادية أو الرياضية أو الثقافية أو السياسية.. وطبيعة الحوار في هذه البرامج تختلف عن طبيعة الحوار الإعلامية الصحفية المعتادة كما تلاحظون.. فهي ذات طبيعة أرشيفية إن صح التعبير، أي أنها لا تركز على متابعة حدث حي وساخن، وتستضيف الشخصية بناء عليه، بل تختار اسماءً معينة حققت نجاحات معينة (في الماضي أو الحاضر)، أو شخصيات رسمية أو غير رسمية لها أنشطة جماهيرية. طابع هذه البرامج احتفائي سِيريّ في الغالب؛ يكون الضيف فيه مرتاحاً، لا يتوقع أسئلة تثير حفيظته، او ملاحظات على عمله، أو انتقادات تمس أنشطته ومشاريعه.. وتركز مادة هذه البرامج كثيراً على مراحل من سيرة الضيف، في محاولة لوضع قصة النجاح ضمن سياق.
كنت أناقش هذه النقطة مؤخراً على إذاعة جدة، مع المذيعة المتخصصة مريم العمري، واتفقنا أن هذا النوع من البرامج أصبح تقليداً من تقاليد رمضان، ويجد شعبية ومتابعة جيدة في الغالب.. اتفقنا أيضاً أن رمضان يترك لمسته على طبيعة البرنامج الذي يتحول من حواري إخباري، إلى جلسة ذكريات وحكايات في الغالب.. يثير رمضان نزعة حنينٍ للماضي وحكاياته، وهذا أمر متوقع.
ما يثير الانتباه في هذه البرامج هو دخول أسماء من خارج الوسط الإعلامي لخوض غمار الإدارة، بعد أن كان حضور هذا النوع يقتصر على الكرسي الذي يواجه المقدم.. أي أن الفنان أو التاجر أو الشاعر أو اللاعب كان يأتي بوصفه ضيفاً للبرنامج، لكن هذا تغير مؤخراً، ولاحظنا أن بعض المشاهير أضحوا يزاحمون الإعلاميين في إدارة البرامج الحوارية؛ يستضيفون، ويسألون، ويحاورون.. وهذا كان مدار نقاش طويل مع مريم ومع عدد من الزملاء والزميلات.. نتفق على أن حضور الشخصية الشهيرة يضمن نوعاً من النجاح الجماهيري للبرنامج، فهو يحضر بجمهوره خلفه ليتابعوا البرنامج، وكونه مشهوراً يعني ضمان حضور ضيوف يليقون بشهرته، وهو ما يعطي البرنامج وهجاً أكبر، جماهيرية أوسع.. كما أن لدى بعض هؤلاء المشاهير شخصية جذابة أمام الكاميرا، وهذا ما لا أختلف فيه.
لكن هذا ليس إلا السطح كما نعلم.. فالبرنامج الحواري ينتمي لمجال الإعلام كما نعرف، وهو يأتي ضمن تخصص معين في هذا المجال المهم والمعقد.. لا تكاد جامعة من جامعات العالم تخلو من كلية خاصة بالإعلام وفروعه وأقسامه.. هذه الكليات تقدم شهادات متخصصة، وبرامج دراسات عليا أكاديمية لعدد كبير من المتخصصين، ولهذا سبب وجيه.. المطلع البسيط على كواليس العمل الإعلامي يعرف أن كل برنامج إعلامي عمل طويل، لا يمثل البث النهائي إلا حلقته الأخيرة في سلسلة متصلة من العمل المنظم.. المتخصصون وأهل الإعلام يدركون ذلك.. ببساطة يُقدم كل برنامج ضمن رؤية تتسق مع رؤية الجهة الإعلامية للبرنامج.. ولكل برنامج رؤية ورسالة وأهداف يسعى لتحقيقها؛ هذه الأهداف ثقافية واقتصادية واجتماعية كما نعلم.. وتحقيقها يضمن نجاح البرنامج في أداء رسالته الإعلامية، بالإضافة إلى تحقيق الربح المادي أيضاً.. هذا يعني أن كل حلقة في البرنامج تؤدي دوراً في تحقيق هذه الأهداف، ولكي تفعل يقدم فريق الإعداد ما يشبه الخطة الخاصة (سيناريو الحلقة)، الذي يتضمن كل التفاصيل التي يفترض أن تدير الحلقة من بدايتها إلى نهايتها، ووفقاً لهذا السيناريو يكون التحضير الصحفي لمحتوى الحلقة.. المسألة إذن ليست مجرد سواليف. لنكن صادقين؛ مثل هذا كله يغيب كثيراً على هؤلاء المشاهير، ببساطة لأنهم يخوضون في غير فنهم، فهم ليسوا متخصصين، وإن لم يكن لديهم فريق عمل متخصص فسوف يفوت عليهم كثيراً من العمل المنظم الصحيح.. ويكون مكان ذلك التخبيص والتمطيط والاستطراد والخروج عن السياق ومن ثم الفوضى.. المذيع غير المتخصص لا يملك الأدوات التي تؤهله؛ تنقصه الخبرة الصحفية، واللغة الإعلامية، وتقنيات إدارة الحوار، وأشياء أخرى مركزية لا تعوضها شهرته ولا طلته البهية.
الأمثلة كثيرة كما تعلمون، لكني سأشير إلى سامي الجابر وبرنامجه الحالي (ذات).. البرنامج وفقاً للأرقام ناجح كما نسمع، وكما نتوقع، فسامي نجم له جماهيريته الطاغية التي يستحقها في رأيي.. صنعها بعمله الدؤوب خلال عمر طويل في الرياضة.. لكنه عمل في الرياضة كما قلت، وهذا لا يعني أن ينتقل أسطورة الهلال والمنتخب لينافس الإعلاميين والإعلاميات ويحاشرهم في رزقهم، ليترزز مذيعاً يدير برنامجاً حوارياً يستضيف النجوم.. شاهدت عدة حلقات من البرنامج، وكان سامي/المذيع هو الحلقة الأضعف.. نعم، نحبُّ سامي، ولنجوميته جاذبية من نوع ما، لكن هذا لا يغطي العيوب للأسف.. حضور سامي في إدارة البرنامج غير مقنع في رأيي.. في حلقته مع يوسف الثنيان كان هناك سؤال مهم حول قصة غياب الثنيان عن أول مباراة في كأس آسيا ٨٨ أمام سوريا.. ظل سامي يكرر أننا تعادلنا في تلك المباراة.. وهذا خطأ غريب على لاعب (ومذيع بالتصانيف).. هذا الخطأ دليل بسيط على ما قلته عن العمل الإعلامي المحترف خلف البرامج.. مثل هذا العمل يمكن له ببساطة أن يكتشف أن السعودية فازت على سوريا يومها ٢-صفر. (ومن ينسى صاروخ المطلق ليلتها!).. لكنّ سامي ظل يكرر أننا تعادلنا، ببساطة، لأن الدعوة سوانح، وسوالف.. وأسئلة تأتي كما اتفق، في جلسة مشاهير، يحق لهم ما لا يحق لغيرهم.