تحدثت في مقال علمي سابق بعنوان «الوراثة وما فوق الوراثة»عن العلاقة بين الجينات وحيوية الخلايا، وفي هذا المقال سأتحدث عن نظرية ما فوق الوراثة والشيخوخة، وأتمنى لمن يريد أن يستوعب الوجه الكامل للموضوع أن يعود إلى ذلك المقال لأنه كما يقال في الدراسات الأكاديمية أنه متطلب سابق لفهم المادة، فمقال الوراثة وما فوق الوراثة أساسي في فهم مقال اليوم، فالذي جعلني أعود للموضوع مرة أخرى هو الحديث غير العلمي الذي ذكره البعض والذي لم يثبت إلى الآن أن هناك إمكانية لاستزراع جينات بعينها لخلايا الجسم تعود بذلك العضو «الشايب» إلى الشباب وتفعيله (تشغيله) كما لو كان شبابًا وبطاقة شبابية كالتي كان عليها، فالأمر إلى الآن ضرب من الخيال العلمي يمكن أن يحدث في المستقبل القريب أو البعيد لكن وجود عيادات باسم العلم والطب والتقدم البيولوجي تقضي على الشيخوخة وتزرع جينات تحول الشيخوخة إلى حالة شبابية غير صحيح.
لقد حدث هذا الالتباس بسبب عدم الفهم والاستيعاب للجديد لنظرية ما فوق الوراثة وفي فهم وعمل ما فوق الوراثة على الجينات، فهناك فرق بين نظرية «ما فوق الوراثة» وبين «استزراع الجينات» لتجديد الأعضاء وتحويل خلاياها إلى خلايا صغيرة في العمر، فنظرية ما فوق الوراثة تعني الاهتمام فقط بأمور تجعل من الجينات تحت السيطرة البيولوجية فيما يعرف بـ تليومراتها Telomeres بحيث تطيل بقاءها وبالتالي تحتفظ الخلايا بحيويتها لفترة أطول مما يزيد في العمر البيولوجي للإنسان.
إن قضية تنكيس الخلق (الشيخوخة أو ضعف الخلايا تركيبًا ووظيفة) أمر حتمي باعتبار أنه كلما طال العمر لا بد أن الخلايا والأنسجة والأعضاء يلحقها الضعف تكوينًا ووظيفة مما يؤكد قوله تعالى (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون)، فعلينا أن نأخذ بأسباب تطويل العمر البيولوجي لقوله عليه السلام (خيركم من طال عمره وحسن عمله)، وقد كتبت مقالات متعددة عن الأخذ بأسباب تطويل العمر منها مقال «أسباب العافية» ومقال «العمر البيولوجي وتطويل العمر» ومقال «إطالة العمر بيولوجيًا» لكن علينا أن نراعي الدقة في الناحية العلمية وما توصل إليه العلم فعلاً بما له علاقة بالشيخوخة وإعادة الخلايا إلى حالتها الشبابية وألا نبالغ فالشيخوخة مرحلة حتمية من مراحل العمر والإنسان الذي يمنحه الله العافية والسلامة من الأمراض لسن متأخرة هو الإنسان الذي يكون غالبًا يملك جينات ذات طابع صحي تمتلك قدرة عالية في مواجهة الأمراض ومحاربتها من خلال أجهزة جسمه التي تستمتع بالأداء الكامل في الوظائف وأقواها طبعًا وأكثرها فعالية الجهاز المناعي الداعم لكل الأجهزة في محاربتها للأمراض وبذا يتأكد أن نظرية ما فوق الوراثة هي ما يفسر به عملية تأخر الشيخوخة وليس استزراع الجينات في الخلايا لتمنح خلايا جديدة تعيد شبابية الخلايا.
إن إعادة بعض الخلايا الشائخة في جسم الإنسان إلى خلايا صغيرة في العمر أمر في بداياته ولا يعتمد على تحويل تلك الخلايا الهرمة إلى صغيرة إنما قد يتوصل إلى دعم الأعضاء والأنسجة بمزيد من الخلايا الحيوية أو استبدالها بالجديد من الخلايا الجذعية المتخصصة، وقد تكون هذه العملية أقرب لأن تكون خلايا داعمة للخلايا الشائخة -أقصد الحقن بالخلايا الجذعية المتخصصة- مع أخذ الاحتياط ما أمكن بعدم تحولها إلى خلايا سرطانية لأن الإشكالية الكبرى في الخلايا الجذعية الجنينية هو عدم استقرار تميزها والقوة الكامنة في قدرتها على تحولاتها.
فمن الأسرار الإلهية في تطويل العمر البيولوجي وتأخر الشيخوخة هو ما له علاقة بأعمال في الحياة تبارك العمر وتطوله مثل صلة الرحم التي ذكرها عليه السلام في الحديث بأن صلة الرحم تطيل العمر وهي أحد العوامل التي جاء شرحها في تفسير نظرية ما فوق الوراثة لاعتبار أن العلاقات الاجتماعية التي منها صلة الرحم تعمل على التأثير على الجينات وتبقي «تليميراتها» أطول وبالتالي يطول العمر البيولوجي بسببها مثلها في ذلك مثل بقية العوامل التي تؤثر على الجينات في نظرية ما فوق الوراثة فيجعل الله بقدرته صلة الرحم سببًا لذلك والله على كل شيء قدير وهو سبحانه الأعلم والأحكم.