ثلاثة أشهر متبقية هي التي تفصلني عن إكمال العام الرابع عشر على انتظامي في كتابة المقال عبر هذه الصحيفة الرائدة، صحيفة «المدينة».
أربعة عشر عامًا تقضَّت في مزاولة الكتابة عبر صفحات الرأي، وهي مدة ليست بالقصيرة، وفي الوقت نفسه ليست بالمدة المتطاولة.
الكتابة الصحفية ليست من باب العبث؛ وإنما هي مسؤولية تُناط بمن لديه الاستعداد لتحمُّل تبعاتها، التي تأتي أحيانًا سلبًا حينما تأخذ من وقتك وتفكيرك وجهدك، وربما سبَّبت لك بعض الإشكالات، كذلك فللكتابة الصحفية جانب إيجابي يتمثل في بث ما يعتلج في الخاطر، وإيصال هموم الآخرين ورؤاهم وتطلعاتهم، وبيان الحال الحاصلة أمام المسؤول لكثير من الخدمات المأمولة، أو المتردية في أدائها.
وعمومًا فالتجربة رائعة، وإن كانت على حساب الوقت والصحة أحيانًا، إلا أنها تذوب في بحر النفع المؤمَّل للمجتمع وتحقيق مطالبه، وتتلاشى في سلامة المقصد ونُبل الهدف، والغاية النبيلة التي يسعى لها الكاتب وهو ينثر عطر حروفه لتُعانق أرواح القرَّاء الكرام، الذين يعون جيدًا دور الكلمة الهادفة والرأي السديد في تصحيح المفاهيم، وتلافي الأخطاء، وتحقيق النفع وزيادة الوعي.
أسوق هذه المقدمة الخاطفة لأقول إنني وخلال الـ(١٤) عامًا المنصرمة، شرُفتُ بمجاورة العديد من الكُتاب الكبار على صفحات هذه الصحيفة، وهم مَن هم في فن الكتابة وجمال الكلمة وسعة الأُفُق، ولأن الحياة نزول ثم ارتحال، كذلك فالكتابة هنا وفي أي صحيفة هي نزول ثم ارتحال، غير أن ما لفت نظري خلال هذه المدة أنه - وخصوصًا في الآونة الأخيرة- تتابعت حالة الرحيل لعددٍ من الأسماء التي شرُفتُ بمجاورتها هنا على صفحات هذه الصحيفة، والإفادة من أسلوبها، وطريقتها في التعاطي مع الكتابة. يأتي الأستاذ الكبير - صاحب الزاوية المشهورة (الفلك يدور) - الأستاذ محمد صلاح الدين -رحمه الله- من أبرز الأسماء التي تخطفتها يد الردى، ففقدنا بغيابه فكرًا مستنيرًا وقلمًا دفَّاقًا بالحكمة والفائدة، فكان لغيابه الأثر الكبير على مجايليه وغيرهم من الكُتاب الذين وجدوا فيما يكتب الفائدة والأثر النافع.
وكان ممن جاورتهم في هذه الصحيفة خلال الـ(١٤) عامًا المنصرمة الكبير علمًا وأدبًا وخُلقًا الدكتور عاصم حمدان صاحب الزاوية (رؤية فكرية)، ففقدنا بفقده رأيًا حصيفًا وفكرًا ثاقبًا، وقلمًا نافعًا عُرف بالحكمة والاعتدال.
لم ينتهِ الفقد عند هذين العلمين؛ بل امتدت يده لتأخذ منَّا أسماء كبيرة كالكاتب الإسلامي الأستاذ عبدالله فراج الشريف، واللغوي الأديب الدكتور محمد خضر عريف، والإعلامي الأنيق الأستاذ حسن الظاهري، والموسوعي الدكتور محمود إبراهيم الدوعان، وآخرهم الكاتب الجميل الدكتور سامي سعيد حبيب، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته وجعل ما كتبوا في موازين حسناتهم، وربما كانت هناك أسماء جاورتُها ثم رحلتْ، لكنها لا تحضرني هذه اللحظة.
رحل من عرفته -ومن غاب اسمه عني هذه اللحظة- بعد أن نثروا مداد حروفهم خدمةً لدينهم ووطنهم ومجتمعهم، وهنا لا يفوتني أن أذكر آخر الكُتاب الراحلين الكاتب الكبير الأستاذ علي خالد الغامدي -رحمه الله-، الذي مرَّ على صحيفة المدينة، لكنني لم أحظ بمجاورته فيها، فقد كان من جيل سابق مرُّوا عليها وتركوا آثارهم.
بوح:
كلانا -سليمًا أو سقيمًا- إلى البِلى
وللبدْءِ نمضي.. قد تبدَّتْ مراكبُهْ
ومهما تمطَّى العمرُ بالمرءِ ينقضي
وتبقى لهُ في الناسِ دهرًا مناقبُهْ
أتينا إلى الدنيا خفافًا ولم نزلْ
يغالبُنا فيها الهوى ونغالبُهْ
كأنا على دربِ الردى حينَ ننثني
إلى برزخٍ.. «ليلٌ تهاوى كواكبُهْ»
#محسن_السهيمي
أربعة عشر عامًا تقضَّت في مزاولة الكتابة عبر صفحات الرأي، وهي مدة ليست بالقصيرة، وفي الوقت نفسه ليست بالمدة المتطاولة.
الكتابة الصحفية ليست من باب العبث؛ وإنما هي مسؤولية تُناط بمن لديه الاستعداد لتحمُّل تبعاتها، التي تأتي أحيانًا سلبًا حينما تأخذ من وقتك وتفكيرك وجهدك، وربما سبَّبت لك بعض الإشكالات، كذلك فللكتابة الصحفية جانب إيجابي يتمثل في بث ما يعتلج في الخاطر، وإيصال هموم الآخرين ورؤاهم وتطلعاتهم، وبيان الحال الحاصلة أمام المسؤول لكثير من الخدمات المأمولة، أو المتردية في أدائها.
وعمومًا فالتجربة رائعة، وإن كانت على حساب الوقت والصحة أحيانًا، إلا أنها تذوب في بحر النفع المؤمَّل للمجتمع وتحقيق مطالبه، وتتلاشى في سلامة المقصد ونُبل الهدف، والغاية النبيلة التي يسعى لها الكاتب وهو ينثر عطر حروفه لتُعانق أرواح القرَّاء الكرام، الذين يعون جيدًا دور الكلمة الهادفة والرأي السديد في تصحيح المفاهيم، وتلافي الأخطاء، وتحقيق النفع وزيادة الوعي.
أسوق هذه المقدمة الخاطفة لأقول إنني وخلال الـ(١٤) عامًا المنصرمة، شرُفتُ بمجاورة العديد من الكُتاب الكبار على صفحات هذه الصحيفة، وهم مَن هم في فن الكتابة وجمال الكلمة وسعة الأُفُق، ولأن الحياة نزول ثم ارتحال، كذلك فالكتابة هنا وفي أي صحيفة هي نزول ثم ارتحال، غير أن ما لفت نظري خلال هذه المدة أنه - وخصوصًا في الآونة الأخيرة- تتابعت حالة الرحيل لعددٍ من الأسماء التي شرُفتُ بمجاورتها هنا على صفحات هذه الصحيفة، والإفادة من أسلوبها، وطريقتها في التعاطي مع الكتابة. يأتي الأستاذ الكبير - صاحب الزاوية المشهورة (الفلك يدور) - الأستاذ محمد صلاح الدين -رحمه الله- من أبرز الأسماء التي تخطفتها يد الردى، ففقدنا بغيابه فكرًا مستنيرًا وقلمًا دفَّاقًا بالحكمة والفائدة، فكان لغيابه الأثر الكبير على مجايليه وغيرهم من الكُتاب الذين وجدوا فيما يكتب الفائدة والأثر النافع.
وكان ممن جاورتهم في هذه الصحيفة خلال الـ(١٤) عامًا المنصرمة الكبير علمًا وأدبًا وخُلقًا الدكتور عاصم حمدان صاحب الزاوية (رؤية فكرية)، ففقدنا بفقده رأيًا حصيفًا وفكرًا ثاقبًا، وقلمًا نافعًا عُرف بالحكمة والاعتدال.
لم ينتهِ الفقد عند هذين العلمين؛ بل امتدت يده لتأخذ منَّا أسماء كبيرة كالكاتب الإسلامي الأستاذ عبدالله فراج الشريف، واللغوي الأديب الدكتور محمد خضر عريف، والإعلامي الأنيق الأستاذ حسن الظاهري، والموسوعي الدكتور محمود إبراهيم الدوعان، وآخرهم الكاتب الجميل الدكتور سامي سعيد حبيب، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته وجعل ما كتبوا في موازين حسناتهم، وربما كانت هناك أسماء جاورتُها ثم رحلتْ، لكنها لا تحضرني هذه اللحظة.
رحل من عرفته -ومن غاب اسمه عني هذه اللحظة- بعد أن نثروا مداد حروفهم خدمةً لدينهم ووطنهم ومجتمعهم، وهنا لا يفوتني أن أذكر آخر الكُتاب الراحلين الكاتب الكبير الأستاذ علي خالد الغامدي -رحمه الله-، الذي مرَّ على صحيفة المدينة، لكنني لم أحظ بمجاورته فيها، فقد كان من جيل سابق مرُّوا عليها وتركوا آثارهم.
بوح:
كلانا -سليمًا أو سقيمًا- إلى البِلى
وللبدْءِ نمضي.. قد تبدَّتْ مراكبُهْ
ومهما تمطَّى العمرُ بالمرءِ ينقضي
وتبقى لهُ في الناسِ دهرًا مناقبُهْ
أتينا إلى الدنيا خفافًا ولم نزلْ
يغالبُنا فيها الهوى ونغالبُهْ
كأنا على دربِ الردى حينَ ننثني
إلى برزخٍ.. «ليلٌ تهاوى كواكبُهْ»
#محسن_السهيمي