تعرّض مسلسل «فاتن أمل حربي» لهجمةٍ إعلامية وقانونية شرسة، لتعرضه لأحكام الطلاق والحضانة في قانون الأحوال الشخصية في مصر، الذي لا يختلف عن قوانين الأحوال الشخصية في معظم البلاد العربية، واتهموا القائمين على المسلسل بازدراء الدين، وهدم ثوابته، والتشكيك فيه، ونشر القِيَم السلبية في المجتمع، وتشويه صورة رجال الدين، وكلها اتهامات باطلة، فالمسلسل نفى نسبة الظلم الواقع على المطلقة من قانون الأحوال الشخصية المصري إلى الخالق جل شأنه، وبيّن أنّ في القانون عوارا دستوريا لأنّ في مواده المتعلقة بأحكام الحضانة والنفقة وإجراءاتهما ما يتنافى مع الدستور.
والملاحظ أنّ المتحاملين على المسلسل خلطوا بين الشريعة الإسلامية والفقه، فقوانين الأحوال الشخصية لا تُمثِّل الشريعة الإسلامية، وإنّما تُمثِّل اجتهادات فقهية بشرية، فالشريعة هي الأحكام المنزلة من الله، أمّا الفقه فهو الأحكام التي استخلصها الفقهاء من نصوص الشريعة، أو من الدلائل الاجتهادية، مثل: القياس، والمصالح المرسلة، وأقوال الصحابة، كما أنّ الشريعة عامة، والفقه خاصة، والشريعة صحيحة كلّها، أمّا الفقه فقد يُخطئ أحيانًا بسبب اجتهاد الفقهاء في أحكامه، وهذا ما حرص المسلسل على بيانه، كما أنّ كل قانون للأحوال الشخصية يُمثِّل المذهب الفقهي التي تسير عليه البلد التي يصدر منها، فمثلَا:
1- لا نجد في مدونة الأحوال المغربية ومجلة الأحوال التونسية التوريث لذوي الأرحام، وقصره على الفروض والتعصيب، وذلك لأنّ المغرب وتونس تتبعان مذهب الإمام مالك، الذي لا يرى توريث ذوي الأرحام، بينما أخذ فقهاء المالكية بفتوى عمر بن الخطّاب بإعطاء حبيبة بنت زريق زوجة عامر بن الحارث، نصف ثروة زوجها، ثم ربع الباقي، وهو نصيبها من الميراث لأنّه لم يكن لهما ولدًا، عندما احتكمت إليه مع ورثة زوجها الذين استولوا على كل ثروة زوجها، فنازعتهم لكون هذه الأموال بفضل كدّها وسعيها، عملًا بقوله تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)، فنجد المادة (49) من مدونة الأحوال الشخصية تتحدّث عن حق الكد والسعاية للزوجة في الأموال المكتسبة فترة الحياة الزوجية، كما نجدها في مجلة الأحوال التونسية التي أسمتها بـ «الجراية»، بينما لا نجد ذكرًا لهذا الحق في قوانين الأحوال الشخصية في المشرق العربي، لأنّ فقهاء المشرق عتّموا على هذا الحق وأبرزوا ما أسموه بالحبس الزوجي الذي لا أساس له في الشريعة.
2- نجد قوانين الأحوال الشخصية العربية أخذت بيت الطاعة من المادة 214 من القانون الفرنسي الذي ينص على إلزام الزوجة بقوة الشرطة العيش في بيت الزوجية الذي يحدده الزوج، وقد طبَّقته بعض البلاد العربية التي أخذت بالقانون الفرنسي، ونسبَهُ الكثير إلى الإسلام، والإسلام منه بريء.
3- نجد الفقرة الثانية من المادة 58 من قانون الأحوال الشخصية الموريتاني أعطت للزوج أن يراقب تصرفات زوجته في أموالها إذا تبرعت بما زاد على ثلث مالها، كما في النص الفرنسي.. كما نجد مجلة الأحوال التونسية تُحرِّم تعدد الزوجات.
4- بينما نجد بعض قوانين ومدونات الأحوال الشخصية تشترط الولي في إثبات صحة عقد الزواج، نجد بعضها أيضًا يعطي للمرأة البالغة الرشيدة حق تزويج نفسها عملًا برأي الإمام أبي حنيفة.
5- إنّ أحكام الحضانة في مدونات وقوانين الأحوال الشخصية العربية لم تستند على آية قرآنية، وإنّما على حديث موضوع: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي»، رواه عبدالرزاق في «مصنفه»: أخبرنا المثنى بن الصباح به. وعن عبدالرزاق رواه إسحاق بن راهويه في «مسنده» كما في «نصب الراية» (3/ 265) قال الحافظ في «التلخيص» (4/ 11) «والمثنى بن الصباح ضعيف، ويقويه ما رواه عبدالرزاق عن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال: «خاصمت امرأة عمر إلى أبي بكر، كان طلقها، فقال أبوبكر: هي أعطف وألطف وأرحم وأحن وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج».
أمّا القول أنّ المسلسل أساء إلى رجال الدين، فلقد بيَّن المسلسل رجل الدين الذي يقف مع الحق (يحيي) ولم يتاجر بالدين، وبيّن الجانب الآخر الذي يتاجر بالدين، وكلاهما أزهريان، وهذا لا يسيء إلى مؤسسة عريقة وعظيمة وشامخة كمؤسسة الأزهر.
وهكذا نجد أنّ ما جاء في المسلسل عن عدم دستورية هذا القانون لا علاقة له بالإسلام والشريعة الإسلامية، ولا مبرر للدعاوى التي أقيمت ضده، بل هو نفى عن الشريعة الإسلامية ما نُسب إليها زورًا وبُهتانًا، وتحية صادقة لفريق العمل، مع أنّي اختلف كثيرًا مع المؤلف، ويعد هذا العمل -في رأيي- أفضل عمل قدَّمته الفنانة المتألقة دائمًا نيللي كريم، وقد تفوّق على نفسه الفنان شريف سلامة، ويستحق جائزة أفضل ممثل لهذا العام، وكان للمسلسل نتائج إيجابية للحوار المجتمعي الذي دار حوله، وبيان ما سبَّبه من ظلمٍ للمطلّقات وأطفالهن أثار اهتمام الرئيس عبدالفتّاح السيسي الذي أمر بضرورة إعادة النظر في نظام الأحوال الشخصية، والعمل جارٍ على ذلك.
الجدل حول دعوى «فاتن أمل حربي».. ضد قانون الأحوال الشخصية المصري!
تاريخ النشر: 02 يونيو 2022 22:44 KSA
A A