تُعدُّ القهوة أحد أكثر المشروبات رواجاً وشعبيةً، ولعلّها المشروب الأكثر استهلاكاً عالميّا، وترتبط بشكلٍ وثيقٍ بالعادات والتقاليد بأنواعها، وتُخصّص لها طقوسٌ اجتماعية في جميع المناسبات، تجعل منها عُرفا مُتّبعا في كثير من المجتمعات.
وصحيحٌ أنّ للقهوة فوائد صحّية، حين تناولها بقدْرٍ مُعتدل، لكن أضرارها أيضاً معلومة وملاحظة، فهي قد تتسبّب في الاعتماد النفسي والإدمان البدني، وهُما من أهم أسباب الشّره لتناولها بكمّيات تزيد عن الحدّ المعقول، كما أنّ لمادة الكافيين آثاراً عضويةً ومزاجية جانبية غير مرغوبة، منها الأرق والقلق وخفقان القلب، واضطرابات الهضم والصّداع، ناهيك عن الأعراضِ الانسحابية المزعجة، حين الحرمان منها لبعض الوقت.
ومن المُلاحظات العجيبة، تلك الصّرعة الثقافية التي تتغنّى بالقهوة، وعشقها، ومزاياها ورائحتها، وطريقةِ صنعها وأنواعها وأكوابها، وكيفية تناولها، وأجواءِ شربها، وارتباطها بالحب والطّرب والثقافة والقراءة والكتابة، حتى أصبح الحديثُ عنها لا يخلو من الابتذال، وتمّ إقحامها - بمناسبة ومن غير مناسبة - وسْط الأدب والشِّعر والأطلال، والصّباحِ والمساء، والحنينِ والفقد والذكريات، والعطور والورود، والإشراقِ والمغيب، والبحر والسماء والغيوم، والجمال والحياة والأشواق، ولعلّها أصبحت إشارةً على الاستغراق في التفكير والتأمّل، وحب المعرفة والحكمة!.
لكن الأعجب هو العدوى النفسية التي أصابت كثيراً من الأفراد، وحفّزتهم على استهلاك القهوةِ بوعي ودون وعي، مدعومة بالانتشار المُذهل لمتاجر بيعها بأنواع وأصناف ومسمّيات مُبتكرة، وانبثاقها على نطاقٍ واسع في كلّ ركنٍ وشارع، والتفنّن في عرضها وطريقةِ تقديمها بهذا السّعار والنّهم الغريبين، فضلاً عن بيعها بأسعار لا تخلو من المُبالغة، وسط إقبال جماهيري وانهماكٍ اجتماعي غير معهود!.
بقي أن أُذكّر أنّ عادة شرب القهوة، لا تجعلك بالضرورة أكثر حكمة، ولا تزيد من مستوى اطلاعك ومعرفتك، وليست مرتبطةً بتحسّن وعيك الثقافي، وبالتأكيد لا تحلّ لك مشكلاتك الاجتماعية والنفسية العويصة، وهي ليست علاجاً للاكتئاب أو مخرجاً من الإحباط، كما أنّ اعتبار القهوة من أسباب السّعادة ليس دقيقاً، ومحاولة الزجّ بها في أشعارك وخطراتك؛ لا يجعلها بالضرورة أكثر ثراءً وجذباً، وفي الواقع ليس من مهامّ القهوة أن تُواسيك في مِحَنك وغضبك وحزنك، إلّا أنّه لا بأس بالطبع أن تتفاعل معها كما يحلو لك ويسرّك، طالما كنت أكثر وعياً وإدراكاً.. وبالهناء والشفاء!.