يحوزُ موقع «تويتر» على المرتبة المُمتازة في درجة السُّميّة والإيذاء والتنمّر، لتقاطع مشاركات فئات المُجتمع بشكلٍ فوضوي، وإمكانية «التغريد» كيفما اتفق في الجدول الزمني لمُختلف المُشاركين، وسهولة إنشاء أي «هاشتاق»، وتداعي كثيرٍ من البسطاء والمهووسين وغيرهم من أصحاب الأهداف المُضطربة للمشاركة فيه، ورفعه إلى أكثرها تداولاً، حتى لو كان سمجاً لا نكهةَ له.
من الواضح أنّ «تويتر» ليس مجالاً للتوعية العلمية والفكريّة الرشيدة، بل يمكن ببساطة استغلاله في إثارة اللغط والجدال والإساءة والتنمّر، واستخدامه وسيلةً للتملّق والمُزايدة وإثارة المُتابعين، كما أنّ بعض «النرجسيّين» استغلّوه كساحةٍ مفتوحة لإشباع هوَسهم المَرَضي، وأنّ عدداً من المُؤدلَجين فكرياً، العنيفين نفسياً، وجدوا فيه ضالّتهم لممارسة تعصّبهم ونشر أيديولوجياتهم، فضلاً عن انتشار بعضِ أصحاب تنمية الذات والطاقة، الذين استغلُّوا سذاجة واضطرابات مُتابعيهم، وأثروْا ثقافة الأساطير والخرافات لديهم.
يسودُ موقع «تويتر» ارتباكٌ أخلاقيُّ فكريّ، أفرزته مرحلةٌ ثقافية اجتماعيّة مُتخبّطة، لكنها متوقّعة، نتيجة حَداثة العهد بالانفتاح على الحرّيات الشخصية والتواصل مع الآخر المُختلف، بعد عقودٍ من قصورِ التربية ورداءة التعليم، فالوضعُ العام وإن كان يدعو للخجل، لكنه يظلّ مرحلةً انتقالية مُزعجة من المؤمّل تخطّيها، للوصول إلى توازنٍ نسبي.
ومع استمرار «تويتر» في ضجيجه الأسود، يلجأُ أحدهم إلى تجنّب الدخول في نقاشاتٍ لا تُفيد، وجدالاتٍ لا طائل من ورائها، تُضيّع الأوقات دون نتائج إيجابية، إلا إنْ كان على يقين مِن مناقشته مَن يعلمُ عنه تواضعاً في علم، ورغبةً في فهم، وذكاءً في عقل، وأدباً في حوار، وذوقاً في أسلوب، وقدرةً على استيعاب، وبهذه المواصفات، أشكّ في حصوله على مُبتغاه، لذا، أنصحُ عادةً «بالتغريد» باتجاهٍ واحد، بُغية التنفيس وإبداء الرأي دون شخصنة، والتفاعل، لا الانفعال، والتعامل بفنّ تجاهل اللّغط والابتذال.
وأخيراً، «التغريدة» التي لا تعجبك، تجاهلها، والشخصُ الذي نَفرت منه بادر بإلغاء متابعته أو كتم تغريداته، أو حتى حظره، أمّا الكلام الذي لم يناسبْك فتغافل عنه، والرأي الذي ترفضه لا تعمل به، والسُّؤال الذي لم تفهمه أو ضايقك، لا تردّ عليه، إذ ليس واجباً عليك أن تُشارك في كلّ قضية يتمّ تداولها، وليس عليك أن تبيعَ بضاعتك في كلّ سوق، انضج بارك الله فيك..