يرفعُ اللهُ عزّ وجل الذين أوتوا العلم درجات؛ وهذا توجيه ورسالة واضحة بضرورة الاهتمام بهذه الفئة الممثِّلة للواجهات المشْرقة بأجهزتها التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية ونحوها في أوطانها.. وهذا يعني بصورة أخرى، عدم جواز مساواة الأدنى بالأعلى.. وكمثال لتوضيح أكثر، هل يعقل أن أحيل طبيب استشاري متميّز مثلا لسن التقاعد بسبب بلوغه السن القانونية؟، يجب إعادة النظر في النظام الذي يحكم مثل هذه الحالات، إذ ليس من المعقول أبداً مساواته بموظف في الصادر والوارد (مثلاً)؛ نظراً لمكانته العلمية والتخصص الذي لديه والخبرة التي اكتسبها طيلة عمله، ثم رغبته في مواصلة العطاء والخدمة.
إن وجود نظام يحترم هذه الطبقة المتعلمة ويقدّرها يعتبر صمام أمان، لِما قد يواجه هذا العلّامة أو ذاك من الإدارة العليا في المؤسسة التي يعمل بها، من محاباة أو مجاملات لاتخاذ قرار يجْبُرُ كسْرَه ويراعي نفسيتَه، وكأنها تتفضّل عليه بقرارها هذا، وهذا لَعَمْري، لا يستقيم بين معاشر العلماء المعروفين بعزّة النفس.. فحبذا الاهتمام بهذا الجانب الراقي الحضاري والإنساني.
ففي الدول الغربية المتقدمة، وخاصة في أمريكا، هؤلاء العلماء طاقة لا يمكن هدْرُها، وعندها يُستشار العلاّمة من قِبَل المسؤول مستفسراً عن رغبته في مواصلة العمل أم يفضّل إحالته إلى التقاعد مع الاستمرار في حصوله على كامل حقوقه، وله في ذلك حرية الاختيار.. ثم إذا اختار التقاعد، فإن المؤسسة تحتفظ به كعضو بارز في فريق الاستشاريين للاستفادة منه في عدة مجالات أخرى ضمن تخصصه وخبرته.
والسؤال المحوري هنا هو: كم من الطاقات المؤهلة مُهْدَرة في مؤسسات العالَمَين العربي والإسلامي دونما الاستفادة منها في أي مجال من مجالات تخصصها العام والدقيق!؟.