كُنَّا لوقت قريب نفتقر إلى كثير من التشريعات التي تُنظِّم شؤون حياتنا، وقد أدرك هذا الاحتياج الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله؛ إذ شهدت المملكة نقلات نوعية في مختلف المجالات في مقدمتها المجال التشريعي؛ حيث نسير في السنوات الأخيرة وفق خطوات جادة نحو تطوير البيئة التشريعية من خلال أربعة مشاريع أنظمة هي: الأحوال الشخصية، والمعاملات المدنية، والنظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ونظام الإثبات، وستُمثِّل هذه الأنظمة موجة جديدة من الإصلاحات التي ستُسهم في رفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية. ويدخل ضمن المنظومة التشريعية أنظمة تتعلّق بحقوق الإنسان، مثل نظام الحماية من الإيذاء، ونظام التحرّش، ونظام حقوق المسنين الذي صدر مؤخرًا؛ إذ يُعد طفرة في تطوير البيئة التشريعية الحقوقية، ممّا يستدعي قراءة متأنية لبعض مواده.
ولنبدأ بالمادة الأولى، والمرتبط بها المادتان الثالثة والسادسة؛ إذ اعتبرت كبير السن كل مواطن بلغ سن الستين، فأكثر، وقد استوقفني ما ورد فيها بشأن تعريف الأسرة بِأنّها تشمل الأب والزوج أو الزوجة والذكور من الأولاد والأحفاد والإخوة.. فأين البنات والحفيدات والأخوات وأولادهن وبناتهن، وبنات الإخوة؟.. وقد نصّت المادة الثالثة على: لكبير السن حق العيش مع أسرته، وعليها إيواؤه ورعايته، وتكون المسؤولية في ذلك على أفراد الأسرة وفقًا للتسلسل المنصوص عليه في المادة (السادسة) التي تنص على: تكون إعالة كبير السن المحتاج على الزوج أو الزوجة إن رغبت، فإن تعذر ذلك فعلى أبيه إذا كان قادرًا ثم أحد أولاده الذكور، فإن تعذر ذلك فعلى أحد أحفاده الذكور، فإن تعذر ذلك فعلى أحد إخوته الذكور.
وهنا نجد النظام قد قصر رعاية المسن على الذكور باستثناء الزوجة، واستبعد الأم والبنات والأخوات وأولادهن وبناتهن، وأولاد وبنات الإخوة، فقد يكون المسن المحتاج للرعاية لم يتزوج على الإطلاق، أو تزوج ولم يُنجب، فلن يكون له أولاد وأحفاد، وقد لا يكون له إخوة على قيد الحياة، فهل يودع في دور المسنين، ولديه أخوات وأولاد وبنات إخوة وأخوات، فلمَاذا لم يُكلفهنّ النظام بمسؤوليات الرعاية، وإلزام الذكور بالإنفاق إن كان في حاجة إلى النفقة؟ ولمَ التركيز على المسن المحتاج للنفقة، فقد يكون المسن ثريًا، أو لديه راتب تقاعدي، ولا يحتاج نفقة إعالة ولكنه يحتاج إلى رعاية من أفراد أسرته، فلمَاذا لم يُكلِّف النظام هؤلاء بالعناية والرعاية به؟.. لماذا استبعد النظام إناث الأسرة عامة باستثناء الزوجات بمن فيهن الأمهات والبنات مع أنّهن من درجة القرابة الأولى، والأخوات وأولادهن وبناتهن -مع أنّهن من درجة القرابة الثانية- من منظومة الأسرة التي ترعى المسن؟. إذا الأم لم ترع ابنها، أو ابنتها، والبنت إن لم ترع أمها وأبيها المسنيْن من يرعاهما؟، وإن لم ترع الأخت أخيها أو أختها من يرعاهما؟، ولماذا يستبعد المسن والمسنة الذيْن لم يتزوجا، وكذلك من تزوج ولم يُنجب؟.
أما المادة الثانية فركّزت على تمكين كبار السن من العيش في بيئة تصون كرامتهم، وتوفير معلومات إحصائية موثقة عنهم؛ للاستفادة منها في إجراء البحوث ذات العلاقة بهم، والمساعدة في وضع الخطط والبرامج، مع تنظيم وتنفيذ برامج مناسبة لهم؛ تعزز من مهاراتهم وممارسة هواياتهم، وتشجيع القادرين منهم على العمل، والاستفادة من برامج الدعم الموجهة إلى الجهات المشغلة لهم، وتأهيل المرافق العامة لتكون ملائمة لاحتياجاتهم.. أمّا المادة الثامنة، فقد جعلت وزارة الموارد البشرية تصرف نفقة للمسن الذي لم يتوفر لدى المكلّف بإعالته نفقته، كما ألزمت المادة العاشرة الوزارة بتوفير ما يحتاجه كبير السن من مستلزمات طبية بالمجان، كما ألزمت المادة (11) الجهات الحكومية بإعطائه أولوية في الحصول على الخدمات الأساسية التي تقدمها.. أمّا المادة (12) فقد ألزمت الوزارة منح كبير السن بطاقة امتياز تُمكِّنه من الاستفادة من الخدمات العامة.. والمادة (13) نصّت على منح الجهة الحكومية أو من يقدم خدمة عامة نيابةً عنها لكبير السن المحتاج خصمًا على الخدمات العامة التي تقدمها.. ولوزارة الموارد البشرية الولاية على النفس على كبير السن فاقد الأهلية أو ناقصها المادة (14).
والمواد (16 -19) تناولت العقوبات على المكلف برعاية المسن، ولكن كيف ستطبق تلك العقوبات مع عدم وجود لجان متابعة لأحوال المسنين؟!.. خلاف العقوبات التي فرضتها المادة (20) على دور الرعاية الاجتماعية المخالفة لحكم المادة (الرابعة) من النظام، ومن يقدم خدمة عامة نيابةً عن الجهة الحكومية المخالفة لحكم المادتين (11) و(13) من النظام بغرامة لا تزيد على (مائة ألف) ريال؛ إذ نصّت على تكوين لجنة أو أكثر، لا يقل عدد أعضائها عن (ثلاثة) يكون أحدهم مستشارًا نظاميًّا، تتولى النظر في مخالفة أحكام المواد (4، 11، 13) من النظام، وتوقيع العقوبة المنصوص عليها، ويُرفع قرارها إلى الوزير أو من يفوضه لاعتماده.
إن نظام حقوق المسنين دُرة نادرة في عِقد التشريعات الحقوقية، فهنيئًا لكبار السن التمتع بها، وشكرًا من الأعماق للقيادة السياسية التي سدّت الفراغ التشريعي بحزمة كبيرة من أنظمة وقوانين، حفظت حقوق الأفراد والجماعات.
نظام حقوق المسنين.. طفرة في تطوير البيئة التشريعية الحقوقية
تاريخ النشر: 23 يونيو 2022 23:46 KSA
A A