أصادف في بعض الأحيان تساؤلاً من بعض القراء الأعزاء؛ حول أسباب تناولي لبعض الجوانب الادارية في مقالاتي.. ولماذا (الإدارة) تحديداً؟.. وإجابتي الدائمة على هذا السؤال، لا تخرج عن أنني مؤمن وبحُكم ممارستي غير القصيرة للإدارة من خلال عملي الحكومي، أن مشكلتنا الكبرى في عموم المنطقة العربية هي مشكلة إدارية بالأساس.. فالإدارة تُمثِّل -في رأيي- مأزقاً وورطة حقيقية تسبَّبت في تأخُّرنا -وقل إن شئت جمودنا- التنموي خلال العقود الماضية.
ولأن كرة القدم بشعبيتها الكبيرة؛ تُعدُّ أفضل وأبسط مثال لتوضيح بعض المفاهيم، فسأضرب اليوم مثالاً بناديّي جدة الشهيرين (الاتحاد والأهلي)، اللذين لا يتقاسمان مجاورة البحر فقط، بل اقتسما حتى المشكلات الإدارية، التي أسقطت الأول عن عرش الدوري الذي تربّع عليه منذ بداية المسابقة، وهبطت بالثاني إلى مصاف أندية الدرجة الأولى.. ورغم أن المسؤولين في الناديين قد سارعوا بإجراء بعض التغييرات والتعديلات؛ في محاولةٍ لصرف النظر عن الأسباب الحقيقية للفشل، إلّا أن الجميع يُدرك أن السبب الأكبر لهذا التراجع المخيف هي الادارة، أو بالأصح (سوء الإدارة).. فإدارة الاتحاد لم تُحسن التعامل مع الضغوط التي تشكَّلت عليها، وعلى فريق كرة القدم، ولم تعرف كذلك كيف تحافظ على (نَفَس الفريق)، خصوصاً في الأمتار الأخيرة، فأهدت البطولة لمنافس كان قد فقد الأمل تماماً.. أما نظيرتها في الأهلي، فقد اتخذت منهج المكابرة والعناد منذ البداية، وظلَّت تتعامل مع كل التحذيرات بمنطق (نحن أبخص)، حتى وجدت نفسها في وضع تاريخي لا يتمناه أي أهلاوي.
الإدارة الرياضية ليست إدارة أموال فقط، بل هي علم مستقل، وتخصص يجب أن يُحترم، ومن أكبر أخطاء الإدارة العربية أنها لا تؤمن كثيراً بالتخصص، بل تختزل وتُسطِّح هذه العلوم في مفاهيم ضيقة تعتمد على الجوانب العاطفية، وعلى فلسفة الولاء الشخصي، من خلال سياسات شعبوية من نوع (مشّي حالك)، و(طبطب وليّس؛ يطلع كويّس)، التي تبقي المنظمة أياً كانت مواردها في حالة جمود وقصور، تقل معه الإنتاجية إلى حدودها الدنيا، وتصبح المنظمة قابلة للسقوط والانهيار في أية لحظة!.
عندما يقول سمو ولي العهد؛ وعرّاب النهضة الحالية، أن بعض من كانوا يتسنَّمون مناصب الوزراء والنواب في مراحل سابقة لا يستطيعون إدارة أصغر الشركات، فإنه يُؤكِّد على حقيقة خطيرة لطالما تحدَّثنا عنها تصريحاً وتلميحاً، وهي أهمية الاختيار الصحيح للقيادات.. وعندما يزيح -يحفظه الله- الستار عن مشكلة مزمنة، تُمثِّل ورطة تنموية حقيقية، فلابد من العمل على مواجهتها، والتحذير من خطورتها بكل السبل الممكنة، ولعل ما كُنَّا نقوم به من جهود توعوية في هذا المجال، هي أحد هذه السبل نحو التحسين والتطوير.
الأهلي والاتحاد ليسوا استثناءً، بل هم مجرد مثالين قريبين للذاكرة، فهناك الكثير من الأندية والمنظمات والمؤسسات التي تعاني من هدر مواردها البشرية والمالية بسبب سوء الإدارة.. الأمر الذي يُؤكِّد ما نقوله دائماً بأنه ليس هناك منظمة فاشلة بطبيعتها، بل فشلت لأنها لم تُحسن إدارة مواردها.. وهو ذات الأمر الذي يُجيب على كل مَن يسألنا: لماذا نكتب عن الإدارة باستمرار؟!.