غادر محمد بن عبدالله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة بلدته طنجة في المغرب الأقصى عام 725هـ إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، ولوجود بعض الاضطرابات بين البجاة والمماليك على ساحل البحر الأحمر وقتها اضطر للانتظار سنة كاملة لحضور موسم حج عام 726هـ الموافق للعام 1326م، وهو ما تم له بالفعل ولكن عن طريق الشام والالتحاق بالركب الشامي بدلاً من المصري الذي انطلق من مدينة دمشق في شهر شوال من نفس العام متجهاً إلى المدينة المنورة ومنها إلى مكة المكرمة.. في العشرين من ذي القعدة عام 726هـ وطئت قدم ابن بطوطة البيت الحرام، وقد وصف مشاعره عندما شاهد الكعبة الشريفة لأول مرة قائلاً: «وشهدنا الكعبة الشريفة زادها الله تعظيماً وهي كالعروس تتجلى على منصة الجلال، وترفل في برود الجمال، محفوفة بوفود الرحمن، موصلة إلى جنة الرضوان»، وبعد أن أتم طواف القدوم وسعى بين الصفا والمروة راح يقول: «ومن عجائب صنع الله أنه طبع القلوب على النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة، والشوق إلى المثول بمعاهدها الشريفة، وجعل حبها متمكناً في القلوب فلا يحلها أحد إلا أخذت بمجامع قلبه ولا يفارقها إلا آسفاً لفراقها، متولهاً لبعاده عنها، شديد الحنين إليها، ناوياً تكرار الوفادة عليها، فأرضها المباركة نصب الأعين، ومحبتها حشو القلوب حكمة من الله بالغة، وتصديقاً لدعوة خليله إبراهيم عليه السلام، والشوق يحضرها وهي نائية، ويمثلها وهي غائبة، ويهون على قاصدها ما يلقاه من المشاق ويعانيه من العناء».
وفي كتابه «تحفة النظَّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» ذكر ابن بطوطة أنه رأى في أول يوم من شهر ذي الحجة في مكة عادة غريبة: فقد كانت تضرب الطبول والدبادب في أوقات الصلوات إشعاراً بدخول شهر الحج، وتظل كذلك إلى اليوم التاسع من شهر ذي الحجة (يوم عرفة)،
وفي اليوم السابع من ذي الحجة -والكلام لابن بطوطة- يخطب الخطيب بعد صلاة الظهر خطبة يُعلِّم الحجاج فيها مناسكهم، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يبكر الحجاج بالصعود إلى منى، ويبيت أمراء مصر والشام والعراق بمني تلك الليلة، وتقع المباهاة بين أهل مصر والشام والعراق وأهل العلم في إيقاد الشموع، ويعود الفضل في ذلك لأهل الشام دائماً، فإذا كان اليوم التاسع من ذي الحجة رحلوا من منى بعد صلاة الفجر متوجهين الى عرفات الله.
في يوم عرفة، وصف ابن بطوطة صعيد عرفة وجبل الرحمة قائلاً: «جبل الرحمة منقطع عن الجبال، ومن حجارة منقطع بعضها عن بعض، وفي أعلاه قبة تنسب إلى أم سلمة رضي الله عنها، في وسطها مسجد، وحوله سطح فسيح يشرف على عرفات، وفي أسفل الجبل دار تُنسب إلى آدم عليه السلام، وعن يسارها الصخرات التي وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عندها في حجة الوداع، وحول ذلك خزانات للمياه، وبجانبها المكان الذي يقف فيه الإمام ويخطب ويجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وإذا حان وقت النفرة من عرفات إلى مزدلفة، أشار الإمام بيده ونزل عن موقفه فدفع الحجاج بالنفر دفعة ترتج لها الأرض، فياله من موقف كريم ومشهد عظيم»، وفي يوم النحر رأى ابن بطوطة كسوة الكعبة وقد وُضِعت في سطح الكعبة، وفي اليوم الثالث بعد النحر أخذ بنو شيبة سدنة الكعبة في إسبالها.
بعد أن أنهى ابن بطوطة رحلة حجه تلك وفي يوم العشرين من ذي الحجة عام 726هـ الموافق للسابع عشر من نوفمبر عام 1326م انطلق ابن بطوطة مع الركب العراقي، وبدأت رحلته المشهورة في أقطار العالم التي استغرقت بضعة وعشرين عاماً متصلة والتي سُمّي ابن بطوطة بسببها «أمير الرحالين المسلمين».