الحج كبقية الأركان الإسلامية الأخرى كل ركن منها ينمي ويعزز القيم والمبادئ والسلوكات الفاضلة التي يستوجب على كل مسلم أن يلتزم بها في حياته، والحج يحمل الكثير من الدروس الربانية التي فرضها الله على العباد كي تستقيم الحياة البشرية على الأرض وتنتشر القيم الفاضلة والسلوكات الحسنة والمبادئ السمحة وليس مجرد زيارة عابرة للمشاعر المقدسة والكعبة المشرفة.
ولعل المتمعن في مسيرة الحج التي فرضها الله سبحانه وتعالى على كل مسلم حينما أوحى إلى نبيه وخليله أبو الأنبياء سيدنا ابراهيم عليه السلام بقوله تعالى (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) فهنا جاء الأمر بوجوبه عند الاستطاعة على كل مسلم إما رجالاً أي مشيًا على الأقدام أو ركبانًا بمختلف وسائل النقل كما في قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) وهنا كان التخفيف على المسلم بأن يكون مستطيعاً لأداء هذه الفريضة وقادرًا على تكاليفها ومشقاتها وقبل ذلك الإعداد والتهيئة له بالمال والعتاد، ثم مروراً برحلته التي كانت في غاية الصعوبة قديماً ولا تزال كذلك عند الكثير من الناس حتى يومنا هذا، ثم يلي ذلك أداء مناسكه الشاقة كالطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ثم الوقوف بمنى ورمي الجمرات الثلاث ثم الطواف التي يتبعها رحلة العودة الشاقة أيضًا، كل ذلك يدفعنا لطرح تساؤل منطقي ماهي الدروس التي تتضمَّنها رحلة الحج الشاقة والتي يستوجب على كل حاج أن يحولها إلى عبادة ومعاملة في حياته الدنيوية؟
ولعل أبرز تلك الدروس:
- ابتلاء المسلم على مدى صبره وعزمه على أداء ذلك الفرض المثقل بالمصاعب والمشقات.
- إبراز حجم قيمة المساواة التي تبرز بجلاء بين كل الطوائف والمذاهب والمراتب الاجتماعية والأسود والأبيض والغني والفقير في الألبسة والأمكنة وأداء الشعائر.
- التذكير بيوم القيامة الذي يبرز فيه العباد أمام ربهم داعين خاضعين خاشعين لربهم بعد انتزاع كل الألقاب والمراتب منهم.
- إبراز قيم التكافل والترابط والتآخي التي تبرز بوضوح بين العباد في هذا الموكب العظيم.
- التذكير بمحاسبة النفس على كل الذنوب والمعاصي التي يرتكبها المسلم في حياته وطلب المغفرة من الرب المعبود الذي ينادي في ملائكته بأني قد غفرت وعفوت عن عبادي في هذا الموقف العظيم حتى إن كل حاج منهم يعود كما ولدته أمه كما ورد في الحديث الشريف (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه).
- والأهم من ذلك كله هو ما بعد أداء فريضة الحج هل فهم الحاج الدروس ليطبقها في عبادته ومعاملته فلا يظلم ولا يتجبر ولا يغتاب ولا يبهت ولا يكذب ولا يسرق ولا يسلب ولا يعتدي على الغير ولا يتكبر ولا يعصي الله تعالى فيما حرم عليه أو نهى عنه.
فإذا تم ذلك فهنيئاً له بالعفو والرحمة والمغفرة من رب رحيم عفو غفور كريم والأهم أن يكون مطبقاً لتلك الدروس بعد العودة من رحلة الحج أما إذا عاد لما كان عليه قبل الحج فليس له من حجه إلا التعب والمشقة.. والله من وراء القصد.