حينَ ظهرت شبكات التواصل الاجتماعي (Social Media) لأول مرة رأى فيها العقلاء فرصة حقيقية لتعزيز الوعي المجتمعي، وتوثيق التواصل الاجتماعي، وإتاحة الفرصة للمواهب المدفونة لتجد سبيلها إلى أعين المتلقين وآذانهم. وقد قامت هذه الشبكات بهذه الأدوار الإيجابية بشكل جيد في البداية، إلا أنَّ نسقاً سلبياً تسلل إليها، يوماً بعد يوم حتى أصبح سيد الشاشة وللأسف في أيامنا هذه.. وهم ما يطلق عليهم في الغرب بمحاريبي لوحة المفاتيح (Keyboard).
هذا النسق الشاذّ من البشر حول هذه التقنية العالية إلى مستنقعٍ رديء للسباب والشتائم والتشهير والإساءة، بدل أن تكون روضة غناء مليئة بكل معجب مطرب.
والموصول اليوم بهذه الشبكات يلحظ تنامياً مزعجاً للاستهتار بحرمات الناس وأعراضهم، وسمعتهم، وتسارعاً مقيتاً لتلقّفِ الإشاعات ونشرها دون تحقق ولا تثبت، والتشكيك في الثوابت والنيل من بعض علماء الأمة.
صراحة لقد تساءلتُ: ما الذي يحمل شخصاً طبيعياً على أن يتتبع الناسَ من المسؤولين وغيرهم فيشتم هذا، ويسب ذاك، ويتهم الثالث، ويروج إشاعة عن الرابع؟
ما الذي يجعله يتتبع كل سقطةٍ فيطير بها فرحاً، ويقوم بتفسيرها على هواه؛ فإذا لم يجد اخترعَ من عند نفسه سقطات ووزعها على الناس كما يحلو له؟ قال تعالى: «إن تَمْسَسْكُم حَسَنَةُ تَسُؤْهُمْ وَإن تُصِبكُمْ سَيِّئَةُ يَفْرَحُواُ بِهَا وَإن تَصبِرُوا وَتَتقوا لا يضركم كَيدُهم شيئاً».
كيف إذا كان هذا التصرف الشاذ يقوم به عدد ممن يَدَّعُونَ بأنهم علماء ومثقفين؟
كيف إذا كان هذا التصرف في شهر الحج أحد الأشهر الحُرُمْ؟ وصاحبه يعلم قوله تعالى: «فَلا رَفَثَ وَلا فًسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ».
كيف يرتضي مؤمنٌ بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر والنبيين أن يخوض خوضاً في النميمة والغيبة والبهتان، وهو يقرأ قوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه).
كيف لمن يتلو في قرآنه: (وقولوا للناس حُسناً) أنْ يختارَ في قوله القبيحَ المرذول؟
كيف لمن قال له ربه: (فتبيّنوا) أن يكون أسرعَ شيءٍ إلى نشر الأكاذيب؟
هل هي التربية التي تلقاها هؤلاء؟ هل هو الانسياق وراءَ الجموع؟ هل هي الأنا الزائفة والبطولات الوهمية؟ هل هي العقلية المغلقة الملغّمة بالأفكار الحدَّيةِ الشاذة؟ أم هو الحقد وما تخفي صدورهم أكبر؟!
إن حرية الرأي التي أتاحتها هذه الشبكاتُ، تعتبر مزيةٌ للمجتمعات الحية، تزيدها صحة وعافية، والإشكال هو في تجاوز حدود الأخلاق من البعض، وكسر قيود الآداب، وانتهاك الحرماتِ، واصطناع قاموس البذاءات.. إنها سلوكيات سيئة مريضة ولو حاول أصحابها إلباسها ثوب (الإصلاح) و(النقد).. والله لا يصلح عمل المفسدين.