هو اسم طائرة متألقة، ترمز إلى الطراز الثاني من فئة «الخدمة» Utility.. وهي أقرب لمفهوم «وانيت الهايلكس»، لأن مهمتها هي نقل الحمولات العامة بكفاءة. وقبل الخوض في الموضوع، أود أن أوضح المكانة الخاصة للمنتجات العاملة التي تكبرني عمراً، ومنها هذه الطائرة التي بدأت عملها في مطلع الخمسينيات الميلادية.. كانت طائرة تجسس سرية، وتم تصنيعها لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الشهيرة باسم «سي آي إيه». وكان الهدف هو رصد مجموعة أنشطة مختلفة على أراضي الاتحاد السوفيتي، والصين وغيرها. وتم تصميمها وتصنيعها بداخل وحدة خاصة للعمليات والمنتجات المتطورة في شركة «لوكهيد» الأمريكية في كاليفورنيا.. وأطلق على تلك الوحدة اسم «أعمال العفونة» Skunk Works، بسبب تعرضها لانبعاثات فوَّاحة من أحد مصانع البلاستيك القريبة منها.. وكانت الوحدة مقر لبعض من أفضل العقول الهندسية، وكانت مخرجاتها من أفضل الطائرات العسكرية في التاريخ.. ليس في مواصفاتها وأدائها فحسب، بل وفي تكاليفها أيضا، فقد أُنتج العديد منها في فترة أقصر مما جاء في العقد، وبتكلفة أقل. وكانت طائرة «اليو 2»؛ المثال الأكثر نجاحا في تاريخ الطيران.. بالرغم من أنها كانت بطيئة نسبياً، فسرعتها أقل من سرعة الطائرات النفاثة التجارية، وبالرغم أنها لم تحمل أية أسلحة، وبالرغم أنها كانت أصعب طائرة على الإطلاق في طيرانها، إلا أنها كانت «حلم الدبابيس».. كانت تصعد إلى ارتفاعات تفوق السبعين ألف قدم، أي أكثر من ضعف الطائرات المدنية والعسكرية، وكانت تستطيع أن تتفادى أجهزة الدفاع الجوي في معظم الدول، وكانت تحمل بعض من أفضل الكاميرات المتطورة، وأجهزة التصنت.. وكانت مساحة جناحيها تبلغ حوالى مائة متر مربع، مما سمح بحمل «كراكيب» استشعار منوعة وكثيرة.. تخيل أنها يمكنها أن ترى عنوان الصفحة الأولى من الجريدة التي تقرأها الآن من على ارتفاع سبعين ألف قدم، وتتنصت على محادثاتك الهاتفية، وتصور من زوايا تسمح لها بالطيران خارج حدود المناطق المعنية، وكل هذا بتكاليف معقولة، مما سمح لها بالعمل لفترة تكاد أن تصل إلى سبعين سنة؛ بدون ملل أو كلل. وعبر السنوات، كانت هناك مجموعة من الطرائف، ومنها أن خلال تطوير محركها النفاث من شركة «برات أند ويتني»، واجهت تحديا فريدا في تصميم المحرك، ليعمل على الارتفاعات الشاهقة.. الهواء على تلك الارتفاعات نادرا جدا، ودرجة حرارته منخفضة جدا، ولم توجد بدائل لتحمل تلك البيئة الصعبة. ولذا طورت شركة «شل» للبترول، إحدى مشتقات الوقود الخاصة، للعمل في تلك البيئة الغريبة، وكان شبيها في تركيبته للمبيد الحشري الأول آنذاك الشهير باسم «فليت».. وتم سحب كميات منه من الأسواق الأمريكية لتطويره للطائرة في بداية عمرها، فأحدث ذلك أزمة للمبيد. ومن الطرائف الأخرى أن محرك الطائرة كان يحتاج إلى حوالى 38 علبة زيت، وهي كمية هائلة للطائرات النفاثة، وكانت هناك مشكلة في تسرب كميات من الزيت إلى مقصورة الطيار، فوجد طاقم الهندسة الرئيس حلاً في سد ثغرة التسرب باستخدام حافظات الأطفال والمحارم الشبيهة، وتم توريد كميات كبيرة منها إلى القواعد الجوية المعنية؛ بدون أية شروحات أو تفاصيل في إحدى أغرب التوريدات.
* أمنيـــــــة:
لمن يتابع أخبار حرب روسيا وأوكرانيا، سيجد أن طائرة «اليو2» تلعب دورًا بارزًا في عملياتها، بالرغم من شيخوختها وسرعتها البطيئة. ومن جانب آخر من يتابع أخبار أبحاث الطقس والبيئة، سيجد أنها تلعب إحدى الأدوار المهمة في أبحاث الطبقات العليا من أجوائنا.. وما أتمناه أن يُطوِّع العالم «التقنيات» -بدلاً من التجسس والدمار- لخير البشرية بعونٍ من الله عز وجل، وهو من وراء القصد.