مصر الوطن الذي أحبّه الفُقراء عندما ترى مُسناً من أقصى صعيد مصر، مُغترباً عن وطنه، يهدم جداراً يصعب على الآلات هدمه، مُبتسماً يُغني «مصر التي في خاطري وفي فمي.. أحبها من كل روحي ودمي»، وعندما تقترب الشمس من الغروب يجمع عدّته ويأخذ أجره اليومي ويُغادر، هنا لابُد لك أن تسأله.. مُغترب وتعمل عمل مُتعب في بلدٍ لا يسكنه أطفالك، وتغنّي لمصر؟ لماذا!؟
وهذا ما حدث فعلاً.. في تلك اللحظة لمعت عيناه، وكأن حدّة انعكاس ضوء الشمس كان في عينيه، قال «هوّا فيه أحلى من مصر؟ وناس مصر؟ وهوا مصر؟ وميّة مصر؟».. أدركت حينها أن قيمة الأوطان لا تُقاس بالأشياء المادية، بل تُقاس بمدى ارتباط الإنسان به كأرض، كهوية، كانتماء، كأم، كشيء لا يمكن أن تتخلى عنه.. هكذا يجب أن يحب الإنسان وطنه، أن ينتمي له، ويفخر به، ويتعامل معه بِحُبْ وأن يخشى عليه هبّات الهواء التي قد تكسر سنابل القمح في حقوله.. ما قرأته في عينيّ هذا المواطن المصري جعلني أعرف أن الإنسان لا قيمة له بلا وطن، حتى لو كان هذا الوطن فقيراً مادياً، هو ممتلئ بالكثير من الأشياء التي تستحق أن يُفخر بها، وأهمها الإنسان، روحه وطيبته ونخوته وشهامته.. صادفت إحدى العاشقات لمصر، حدّثتني طويلاً عن مصر، كان حديثها عن مصر البشر قبل الحجر، عن طيبة البُسطاء وفزعة الفُقراء وتكاتفهم رغم صعوبات الحياة، عن خوض المستحيلات من أجل أن يُدون اسم مصر في كل محفل دولي، عن محافظتهم على إرثهم التاريخي رغم الفوضى التي دمرت أوطان الآخرين، في تلك اللحظة الفارقة ذهب المصريون للمتاحف ليحموها بأجسادهم، كانوا يحمون تاريخاً وهوية..
أخيراً..
حب المصريين لمصر درس أتمنى أن يستفيد منه الجميع..