كم كنت فخورة وأنا استمع إلى كلمات الملوك والرؤساء والأمراء لدول مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق؛ لوحدة المواقف من جميع القضايا في قمة جدة، وسأتوقف هنا في موقفيْن مصيريين للشعوب العربية قاطبة: أولًهما: التركيز على ضرورة الوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، فجاء في كلمة ولي العهد السعودي: «إنّ ازدهار المنطقة ورخاءها يتطلب الإسراع لإيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وفقًا لمبادرات وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية»، وهذا ما أكد عليه كل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والملك الأردني عبدالله الثاني، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وولي عهد الكويت، ودولة رئيس الوزراء العراقي في كلماتهم، وقد أكّد الرئيس السيسي على ضرورة الوصول إلى حل نهائي لا رجعة فيه للقضية الفلسطينية، ليكون بذلك قوة الدفع التي تستند عليها مساعي السلام في المنطقة.. وأكد القادة العرب على ضرورة وقف كل الإجراءات الأحادية التي تقوض حل الدولتين.
في حين نجد أن الرئيس بايدن قد تجاهل في كلمته تسوية القضية الفلسطينية بحل الدولتين، فبينما قدّمت الإدارة الأمريكية مشروع صفقة القرن، بشأن دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومقسمة الأوصال مع إبقاء السيطرة الأمنية لإسرائيل، رفضت ما طالبت به روسيا تجريد أوكرانيا من السلاح واجتثاث النازية منها، وأخذ تعهد منها أن لا تنضم إلى حلف الناتو حفاظًا على أمنها القومي، مع أنّ فلسطين دولة محتلة من إسرائيل.. وفي هذا الإجماع العربي رسالة واضحة لأمريكا وإسرائيل أنّه لن يتحقق الاستقرار والازدهار في المنطقة إلّا بحل الدولتيْن بموجب المبادرة العربية.
ثانيهما: إجماع الدول العربية في القمة على رفض التحالف مع أمريكا وإسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني، وقد وصفها ولي العهد بالجارة وتربطنا بشعبها روابط دينية وثقافية، ودعاها إلى التعاون مع دول المنطقة، بمعنى أنّنا لن نتحالف ضدها، وندعوها للتعاون معنا.
في حين نجد الرئيس عبدالفتّاح السيسي وجّه رسالة قوية تلمح إلى رفضنا رفضًا قاطعًا للتحالف مع أمريكا وإسرائيل لحماية أمننا القومي.
وفي هذه المواقف رد قوي لما جاء في إعلان القدس من أن الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل مع الشركاء الآخرين لمواجهة العدوان الإيراني والأنشطة المزعزعة للاستقرار.
لذا جاءت المادة رقم (3) من البيان الختامي للقمة بما يلي: «أكد القادة رؤيتهم المشتركة لمنطقة يسودها السلام والازدهار، وما يتطلبه ذلك من أهمية اتخاذ جميع التدابير اللازمة في سبيل حفظ أمن المنطقة واستقرارها، وتطوير سبل التعاون والتكامل بين دولها، والتصدي المشترك للتحديات التي تواجهها، والالتزام بقواعد حسن الجوار والاحترام المتبادل واحترام السيادة والسلامة الإقليمية».
ومن المفارقات الغريبة أنّ إدارة بايدن تزعم بأنّها تريد حماية أمن المملكة وباقي دول مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق من الخطر الإيراني بإيجاد تحالف هذه الدول مع إسرائيل ضد إيران، وهي ذاتها في عهد أوباما أعدت إدارة الأمن القومي الأمريكي عام 2010 دراسة باسم الدراسة الرئاسية التنفيذية (11)، التي دعت إلى استخدام قدرات وإمكانات أمريكا لدعم الإطاحة بحكومات حليفة وتسليم السلطة لتنظيم الإخوان المسلمين بمصر وشمال إفريقيا، وتمكين إيران من السيطرة على الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية.
ويرصد المحلل السياسي السعودي يوسف بن طراد السعدون موقف إدارة الرئيس بايدن من إيران ويقول: «خلال الشهرين الماضيين (من بدء ولاية بايدن)، سارعت الإدارة الأمريكية الجديدة إلى: استمالة إيران بتجاهل تمددها الصفوي بالشرق الأوسط، ودعمها للجماعات الإرهابية، وإلغاء تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية، ووقف دعم عمليات التحالف في اليمن، وتجميد صفقات السلاح للدول العربية. وهذا ما شجع إيران على التمادي في تهديد أمن المنطقة، ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك، بل نجدها غضّت الطرف عن جرائم الحوثيين في تجنيدهم الأطفال، وما يقومون به من أعمال قرصنة، وتهديد مباشر للملاحة الدولية بزرع الألغام واختطاف السفن.
وهذه مؤشرات على عزم بايدن تنفيذ خطة الدراسة الرئاسية التنفيذية 11، وتنمية نفوذ إيران في سوريا ولبنان، وجعلته يمتد إلى اليمن، لجعل إيران العدو الأول للدول العربية بدلًا من إسرائيل، لجر العرب إلى التحالف مع إسرائيل ضد إيران، وهذا ما هدفت إليه إدارة أوباما من الدراسة 11، وبدأت إدارة بايدن بمرحلة تحقيق هذا الهدف بمحاولتها إيجاد تحالف «السعودية وسائر دول الخليج العربي ومصر والعراق والأردن مع أمريكا وإسرائيل» بدعوى حماية أمنها من الخطر الإيراني بقيادة أمريكا وإسرائيل لتفوقها التكنولوجي والتقني، أي تصبح هذه الدول تحت السيادة الأمريكية والإسرائيلية، ويلحق الخراب والدمار لبلادنا العربية، فإيران لن تضرب إسرائيل ولا المصالح الأمريكية، فهما حليفيها من تحت الطاولة، وبعد إضعافنا تنقض إسرائيل مع أمريكا على بلادنا وإيران، وتحقق إسرائيل حلمها في إقامة دولة إسرائيل الكبرى.