يعتبر صدور نظام التعليم العام الجديد خطوة رائدة لتحقيق مستهدفات التنمية الوطنية، ومواكبة التغييرات العالمية؛ وقد أحسنت وزارة التعليم في وضع مسودة النظام في المركز الوطني للتنافسية، واستطلاع آراء المختصين من التربويين وأولياء الأمور.
ففي السنوات الماضية، كُنَّا لا نرى سوى تعاميم جديدة وقرارات ارتجالية في تطبيق تعليمات وأنشطة وبرامج، مما أربك الميدان، وجعله غير قادر على إدراك ماهية التغيير، ودوافعه، وأهدافه، وبالتالي عدم تحقق الكثير من الأهداف، ومن ذلك التقويم المستمر للصفوف الأولية للمرحلة الابتدائية، والذي لم يُحقِّق أهداف التعلم، وخرج جيل لا يفقه الكثير من أساسيات اللغة العربية، والخط، والرياضيات، ثم ما لبث أن تم إلغاؤه ووضع اختبارات تحصيلية تقيس المستوى الحقيقي للطالب. ولكن بحمد الله، فإن تطبيق نظام التعليم الجديد، سيكون وفق حوكمة دقيقة، وربط مخرجاته بمتطلبات المرحلة، واحتياجات سوق العمل، بما يحقق رؤية المملكة ٢٠٣٠م.
وبالاطلاع على أهداف النظام، وجدت أن الأهداف الأساسية لازالت تُركِّز على «غرس العقيدة الإسلامية، والإيمان بالله، وتعزيز القيم المستمدة من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والاعتزاز بالدين الإسلامي، والولاء والطاعة لرسول الله وأولي الأمر، والانتماء الوطني، وترسيخ الهوية الوطنية»، وهذه نعمة من الله أن هيأ للتعليم مَن يُحافظ على قِيَم المجتمع الأساسية. أمَّا الهدف الجديد فهو «تعزيز قيم (المواطنة العالمية)، وترسيخ القيم والاتجاهات والسلوكيات الداعمة لها».
وحقيقةً، فإن هذا المفهوم يعني: وعي الفرد بالثقافات الأخرى، والنظر إلى الإنسانية المشتركة بين الأفراد، وهي ذات أبعاد عالمية.. وهذا جميل في بعض نواحيه، ولكن يجب أن نكون حذرين في البرامج والمناشط التي تتناول هذا الجانب، حتى لا تجد الشعارات المزيفة في حقوق الإنسان والمثلية... وغيرها، طريقاً للوصول لأبنائنا.
وأمَّا نظام العام الدراسي بثلاثة فصول، فنشكر مجلس الشورى الذي أكَّد على ضرورة تقييم التجربة، واكتشاف محاسنها وسلبياتها؛ فصحيح أن من مميزاته دعم المكتسبات المعرفية والتربوية للطالب، إلا أن طريقة تطبيقه المفاجئة ودون توعية كافية للميدان التربوي وللأسرة؛ جعلت مقاومة التغيير كبيرة؛ فكان لابد من توضيح أسباب التغيير، والنتائج المتوقعة، والمردود المعرفي والاجتماعي، والتأثير الاقتصادي والبيئي؛ وهو ما بدأت به الوزارة مؤخراً عند إصدارها للتقويم الجديد خلال الخمس السنوات القادمة، حيث أوضحت «أنه يهدف لتحسين نواتج التعلم، ومعالجة الفاقد التعليمي في مراحل الطفولة، والتعليم العام، والتعليم الجامعي، والتدريب التقني والمهني، وأنه تم إعداد نموذج تقويم دراسي للأعوام الخمسة القادمة، يراعي الأيام الدراسية، والإجازات الرسمية، للوصول للمعدل الأمثل عالمياً لعدد الأيام الدراسية، والمواءمة مع كافة القطاعات الحكومية».
وحقيقةً، فإن من السلبيات التي أراها، دخول الفصل الثالث في شهر يونيو، وهو من فصول الصيف الذي ترتفع فيه درجة الحرارة للأربعينيات، وهو يختلف عن الدول الأخرى، التي اتخذناها أنموذجاَ في التغيير، مما قد يُعرِّض الطالب للإجهاد الحراري، وكراهية المدرسة.
ومن وجهة نظري، لو تم الاكتفاء بفصلين دراسيين، ثم الفصل الثالث يكون اختيارياً بترقية ما يُسمَّى (نادي الحي) إلى (مركز التعليم والتدريب)، يحصل الطلاب فيه على دورات متقدمة في الفنون الأدائية؛ كالمسرح، والموسيقى، والأزياء، وصناعة الأطعمة والفنون بكافة أشكالها؛ خاصةً وأن المسارات المخصصة في التعليم الثانوي لا تشمل هذه المهارات.
فاذا كُنَّا نرغب في ربط المخرجات بسوق العمل، فلابد من الاهتمام بتلك الجوانب، واكتشاف الموهوبين في الفن، وتوجيههم للدراسة الجامعية، فليس من المعقول إقحام جميع الطلاب بدراسة الموسيقى، وهم أصلاً لا يملكون الموهبة، وفي هذا هدر للمال والجهد والوقت.
وبالرغم من ظهور بعض المتحذلقين؛ المحسوبين على ميدان التربية والتعليم؛ وإعلان أنه سيتم دمج التعليم العام في المدارس بين الجنسين بعد ثلاث سنوات.. وما الذي يمنع أن يكون مدير مدرسة بها مدرسين ومدرسات وطلاب وطالبات؛ وأن لذلك إنتاجية كبرى!! لن تكون هناك إنتاجية أكثر من مشكلات اجتماعية وأخلاقية، لن تستطيع الأسرة حلها، ولا إدارات التعليم، وستزدحم المحاكم العدلية أكثر وأكثر بقضايا المشكلات الحقوقية والأخلاقية والأسرية... وغيرها.
لكننا بحمد الله، لم نجد في النظام الجديد أية إشارة للدمج المخالف لأهداف التعليم، التي أشرت إليها آنفاً، والدولة أعزها الله التي اتخذت من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة دستوراً لها، لن ترضى بالمتناقضات المخالفة لها.