شئنا أم أبينا لا تزال الفجوة واسعة بين المخرجات التعليمية واحتياجات سوق العمل، وهي ظاهرة في وجود عدد كبير من الكليات والمعاهد النظرية التي بها الآلاف من الطلاب والطالبات أكبر من أن يستوعبها سوق العمل.. فالشهادة ورقة تُثبت أن الشخص مُتعلم لكنها لا تُثبت بالضرورة أنه يفهم، وما نشاهده في هذه الأيام، لم تعد الشهادة الجامعية تمثل نوعًا من الوجاهة كما الأمر في الماضي، وإنما بالمهارات والتدريب والخبرات والقدرات اللازمة.
إن المتغيرات المتسارعة في مجالات المعرفة في وقتنا الحاضر، تعد واحدة من أهم سمات العقود الأخيرة في قرننا الحالي، فالمعرفة الإنسانية تتضاعف مرة كل عشر سنوات، الأمر الذي يفرض على الواحد منا أن يواجه -كل عشر سنوات- عالماً جديداً يختلف تماماً في مفاهيمه وعاداته، ومشاكله، ووظائفه عن العالم الذي قبله.. هنا يأتي دور مؤسسات التعليم في اكساب مخرجاتها القدرة على التفكير الناقد، وحل المشكلات، والابتكارية في معرفة المحتوى.
إن قضية المشاركة الإيجابية للطلاب والطالبات القائمة على بذل الجهد الحقيقي محورا مهم في تهيئة مخرجاتها لسوق العمل، كما أن على المؤسسات التعليمية وضع دورات وتخصصات وأساليب تعليمية جديدة تتماشى مع تسارع المعرفة في هذه الأيام.
شخصياً حين تخرجت من الجامعة قبل أربعة عقود، عرضت عليّ أكثر من خمس وظائف في قطاعات مختلفة لأختار واحدة منها، كان ذلك واجب تلك المرحلة التي غلب فيها الكم على الكيف.. إن أغلب الشركات والمؤسسات الخاصة وحتى العامة حالياً لا تقبل تعيين الخريجين لأنهم يحتاجون إلى تدريب وصقل مهارات، وبسبب ذلك تضيع السنوات على الخريجين في انتظار الحصول على فرص وظيفية، وقد يكون عندها قد نسى الخريج ما تعلمه في جامعته.
كما أن على الخريج أن يعي أن الدراسة في الجامعة تختلف تماماً عن ما يواجهه في العمل.. وأن عاماً واحداً في العمل الوظيفي أفضل من الأعوام التي قضاها في التعليم، أضف إلى ذلك يجب أن يكون لدى الأسرة الوعي الكامل بطريقة اختيار أبنائهم للكلية التي يرغبون الالتحاق بها، لأن ذلك لا يقل أهمية عن الدراسات والتخصصات الجديدة.. ففي العادة نجد أن نسبة كبيرة من الطلاب لا يعرفون لماذا التحقوا بالكلية أو القسم، وفي الغالب تكون إما مصادفة أو نصيحة من أحد المعارف والأقارب، أو تكون لأمنية أحد الوالدين.
وأخيراً حسناً فعلت وزارة التعليم على تقييم مستوى أي جامعة بقدرتها على التواصل مع سوق العمل لتسهيل توظيف خريجيها.