(والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ الذي لا يأمَنُ جَارُهُ بَوائقَه).. أقسم بها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ثلاثًا لتأكيد حقوق الجار في الأمن والأمان والطمأنيَّنة وراحة البال.. ويُروى عن نبيِّ الهدى والرحمة حديث شريف: (ما آمنَ بي من باتَ شبعان وجارُه جائعٌ إلى جنبه وهو يعلم به).
تلك وسواها من أحاديث شريفة رويت عن رسولنا الكريم والمسلمون ما زالوا حديثي عهد بالإيمان، وحولهم وبجوارهم من أهل الكتاب، وعَبدة أصنام، ومشركون.. ومع ذلك كان لهم جميعهم حقوق الجار، دون تفرقة أو تمييز.. ومفهوم الجار ليس حصرًا مَن بالجوار، بل يتعدَّاه إلى مجتمعات وأُمم مختلفة نتشارك معها بحدود ومواثيق.. امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَ الإثْمِ وَالْعُدْوَان﴾.. والتقوى لُغةً إمَّا الوقاية، أوالوقاء، أي حفظ الذات وسلامة من الأذى.. والله في محكم كتابه ينصُّ: ﴿وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾.. وللتقوى أكثر من تعريف.. ومنها قول: (إذا وقعتِ الفتنُ، فأطفئوها بالتقوى).. وقالت العرب: التقوى هي أن تعمل بطاعة الله على نورٍ ورجاءَ ورحمة منه.
ووفقًا لمفهوم التقوى، فقد أرسى الملك المؤسِّس عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه - قواعد صرح المملكة العربيَّة السعوديَة وقرنها بالوسطيَّة التي ذكرها الله جل َّجلاله في محكم التنزيل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾.. وبهدي هذا النهج، كان تصريف أمور السياسة والإدارة والعلاقات العامَّة كافَّة داخل المملكة وخارجها.. وعلى هدي نهجه القويم، تابع أنجاله البررة؛ الملوك وخَّدام الحرمين الشريفين.. واليوم، يتابع الملك سلمان بن عبدالعزيز وعضيده ولي العهد الأمير محمَّد بن سلمان إدارة الحكم وإقامة المؤتمرات الإقليميَّة والدوليَّة لتوحيد الصف في التعامل مع ما ينتظره العالم من مخاض لولادة عالم متعدِّد الأقطاب عماده التعاون بين جميع الأمم والشعوب بما يحقِّق الخير والأمن والأمان والطمأنينة، وتمتين العلاقات وتوثيقها بين الأمم والشعوب التي نشترك معها في الحياة فوق كوكب الأرض على أسس من التوازن ونهج الوسطيَّة والاعتدال في جميع مجالات الحياة العقديَّة والفقهيَّة والفكريَّة والسياسيَّة إيمانًا وسلوكًا وفي العلاقات بغير المسلمين.. وعلى هذه القاعدة الوسطيَّة، كان انعقاد قمَّة جدَّة للأمن والتنمية.. وهي واحدة من سلسلة قمم دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في أَول رحلة خارجيَّة له إلى المنطقة منذ تولِّيه منصبه.
عقدت أُولى تلك القمم باجتماع ثنائي بين قيادتي المملكة العربيَّة السعوديَّة والولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في الخامس عشر من يوليو الماضي، عقبها في اليوم التالي اجتماع قمَّة خليجيَّة عربيَّة وأمريكيَّة ضمَّ قادة مجلس التعاون الخليجي والمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة وجمهوريتي العراق ومصر، أسفرت عن وحدة الكلمة، واتِّخاذ موقف عدم الانحياز لأِّي من القوَّتين المتصارعتين.. وتأكيد العمل لتنمية اقتصاد الدول المشاركة في المؤتمر، وأمنها وأمانها.. ليست الوسطيَّة طارئة على ثقافتنا، فهي من توجيه عقيدتنا السمحاء حتى في الأمور الشخصية امتثالًا لقوله تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَكُلُواوَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.. وتبقى شريعة الله نهج المملكة عقيدةً، و(العروة الوثقى) نهجاً وسياسةً على هدي من الله خير القائلين: ﴿مَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن باللَّه فَقَد اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم﴾.