كثير من الناس يُدركون مفهوم السعادة بصورةٍ خاطئة، وهم يظنون أن السعادة هي الاستمتاع بملذات الحياة، وبما يُروّج له أصحاب الفلس في السوشيال ميديا من شراءٍ للسيارات الفارهة، والفلل، ولبس الماركات، والسفر لعواصم العالم، وهو للأسف ما تأثر به كثير من أبنائنا لفقدهم القدوات الحقيقية في معنى السعادة؛ وأن تلك الممارسات -في الحقيقة- ليست إلا استمتاع لحظي، ينتهي بمجرد انتهاء الحدث، ثم يعود الشعور بالملل والضيق والشقاء.
والسعادة بمفهوم علم النفس هي: الصحة النفسية التي يُحقِّق فيها الفرد ذاته، وأهدافه، وطموحاته، ويُوظِّف قدراته بما يجعله راضياً عن نفسه، وأن سعادته تتمثل في تفاعله مع الآخرين، وبما يُحقِّق الجو الأسري الإيجابي، ووجود صداقات اجتماعية في حياته، وممارسة أنشطة تدعم ثقته بذاته، وتشبع حاجاته الأساسية.
وقد حددت الأمم المتحدة يوماً عالمياً للسعادة، وهو 20 مارس من كل عام، بهدف تسليط الضوء على أهمية السعادة للإنسان؛ باعتبارها طموحاً عالميا؛ كما أكد أمينها العام آنذاك «بان كي مون» إن إعلان يوم للسعادة يُعدُّ اعترافاً بالركائز الأساسية وهي الرفاهية الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئة التي لا تنفصل أبدًا.
وإذا كان هو نفسه قد استند على ما ابتكره (ملك بوتان) في عام 1972، والذي أنشأ مؤشراً لقياس درجات السعادة، بناءً على أربعة معايير وهي: «التنمية المستدامة، والحفاظ على التراث الثقافي، والحفاظ على الطبيعة، والحكم الرشيد».
وإن كانت أربع دول قد حظيت بمراكز متقدمة خلال السنوات الأربع الأخيرة في مؤشر السعادة وهي: الدنمارك، وسويسرا، والنرويج، وفنلندا بالرغم من أن سكانها يعيشون الوحدة والانغلاق!!، إلا أن معايير السعادة هنا تختلف حسب ثقافات الأمم والشعوب، وإذا كان اعتمادهم على الطبيعة الخضراء وانخفاض مستويات التلوث ونظام التعليم المتطور، والخدمات الاجتماعية، هو ما اعتمد عليه في قياس تلك المؤشرات؛ فإن مؤشرات السعادة لدينا تختلف، فتقوم على جودة الحياة من خلال رؤية ٢٠٣٠، والتي تجعل الإنسان محور السعادة من خلال مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، فأصبحنا نُقارع الأمم في خلق مجتمع السعادة بكل الإمكانيات، لاعتبار الإنسان هو العنصر الأساسي لقيام الدولة في توفير الإمكانات المادية من خلال: حساب المواطن، والضمان الاجتماعي، وخلق بيئة جاذبة واقتصاد قوي.
كما أن السعادة قد أخذت حيزاً واسعاً عند الفلاسفة منذ أرسطو وأفلاطون، وحتى فلاسفة المسلمين مثل: الكندي، والفارابي.. وأكد معظمهم على أنها متصلة بالفضيلة نتيجة للالتزام الأخلاقي بما تحدده الحياة الإنسانية.. وأما في ديننا الإسلامي الحنيف في حديث رسول الله أنه: «من أصبح آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا». فنعمة الأمن من أعظم النعم التي غفلنا عنها، ولم نشكرها حق شكرها؛ فإذا نظرنا للعالم من حولنا، ورأينا الحروب المدمرة التي تحاصر البشر في كل مكان، والخوف والهلع الذي ينتزع قلوب الأطفال والنساء، فنحمد الله على ما نحن فيه من نعمة الأمن في النفس والأهل والوطن، وكم تعج المشافي بالمرضى، ونحن نلبس تاج الصحة والعافية، ولا نشكرها حق شكرها من الطاعة والاستقامة؛ بل نجاهر بالمعاصي وكأننا آمنون من مكر الله.. وكم نحن مغرقون في النعم من حولنا؛ فالأرفف، والثلاجات، تعج بالنعم، ومع ذلك ترى بطر النعمة، وربما رميها في سلة النفايات أو الهياط بها!! ونسينا قوله تعالى: (وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
هذه النعم التي نعيشها لا يكفيها حقها بالشكر اللفظي فقط، بل بالسلوك والعمل، فكم من السعادة ستجدها في إيواء فقير، أو إغاثة ملهوف، أو إطعام مسكين، أو كفالة يتيم، أو المشي في حاجة أرملة أو مسكين، بل حتى البسمة في وجه أخيك صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق، والرفق بالحيوان.. وفوق ذلك مدى قربك من الله تعالى والاتصال به، وصفاء النية ويقظة الضمير، والخوف من الله في السر والعلن، فهي الطاقة التي تمد الإنسان بالطمأنينة والراحة، وهي السعادة الحقيقية في الدارين، خاصةً إذا ارتبطت بعقيدة من يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره.