كل عام والتعليم في وطني بخير، كل عام ومن يحملون أمانة العلم والتعليم بكل خير وصحة وعافية وهمة تعانق السحاب، عودًا حميدًا للمعلمين والمعلمات والمشرفين والمشرفات ولجميع منسوبي وزارة التعليم، وعادت الحياة الدراسية إلى وضعها الطبيعي وهاهي مدارسنا تتهيأ لاستقبال فلذات أكبادنا أمل المستقبل وصناع المجد والحضارة والتاريخ الإنساني ينتظر منا تسطير مزيد من الإنجازات الوطنية من قبل كوادر سعودية ومواهب وطنية تعي تمامًا قيمة العلم وأهميته وتعلي من شأن من يتولى تنفيذ هذه المهمة السامية.
كل الشعوب المتقدمة تجعل المعلم نصب أعينها وتعطيه قدره ومكانته في المجتمع، العلم هو من يصنع لك قيمة ويجعلك محترمًا مقدرًا في كل موقع ترتاده، وكل المجالات الإنسانية اليوم لا تعترف الا بالمتعلمين المحترفين المتخصصين في ما يمارسونه من أعمال.
تابعت لقاءً تلفزيونيًا مع ممثل قدير سوري اسمه فايز قزق، استوقفني كثيرًا تحدثه باللغة العربية الفصحى والمذيعة تحاول أن تستدرجه في الكلام ليتحدث بلهجتها العامية ولكنه رفض وهي لم تستطع أن تجاريه في قوة الكلمة والطرح وكان الحوار بينهما يميل في قوته للفنان الذي أخذني الفضول للبحث عن دراسته ووجدته متخصصًا في الفنون المسرحية ويحمل شهادات عليا من أعرق الجامعات العربية والعالمية وتطرق في حواره بأنه شغوف باللغة والكلمة والقراءة والاطلاع والعلم والمعرفة، وما أجمل هذا الشغف الذي يجعل منك إنسانًا متميزًا في أدائك وحرفتك وعملك لأنك معتز بهويتك العربية وثقافتك وتسعى لتكون علامة فارقة في منجزات تسجل باسم وطنك.
تحدثت مع ابني وقلت له يا بني حتى تكون مميزًا في حياتك احرص على نيل قدر كبير من العلم ولدي يقين تام بأن الله يعلي من قدر العلماء وطالبي العلم في كل زمان ومكان.
الطفل الذكي الموهوب حلم كل الآباء والأمهات ولكن لا يمكن أن يكون لدينا هذا الطفل ونحن نسلمه بكامل إرادتنا لأجهزة إلكترونية، كم يحزنني هؤلاء الأطفال في الأماكن العامة وفي وسائل المواصلات وفي كل مكان وهم مغيبون عن الواقع ولا يعيشون أجمل أيام طفولتهم لأنهم قد سحرت أعينهم بحركات وأصوات وألوان زاهية وأفكار لا نعلم مدى خطورتها على عقل الطفل إلا عندما تقع المصيبة ويحتار الأهل في معالجة هذه المشكلات الصحية والنفسية والسلوكية.
في النصف الثاني من القرن العشرين اكتشف العلماء أن المخ البشري يتكون من شقين أيمن وأيسر وله أكثر من حاصل ذكاء واحد وأكثر من نوع ذكاء، لذلك فإننا على يقين تام بأن الطفل يأتي للوجود مسلحًا بعدد كبير من أنواع الذكاء التي تنتظر تنميتها ورعايتها والاهتمام بها.
الذكاء اللفظي يتطلب منا الاهتمام بمجال القراءة عند الطفل والذكاء العددي المنطقي يحتاج منا ممارسة العمليات الحسابية وربط عالم الرياضيات وأهميته في حياتنا اليومية ولغة الأرقام هي اللغة التي تسير حركة الكون والمجرات والذرات وحفظ التوازن في كل أمور حياتنا، والذكاء المكاني الهندسي يرتبط بالبيئة والحياة المجتمعية المكانية وحفظ الأماكن وارتباطنا بالأرض وتضاريسها ومعالمها، والذكاء الجسدي الحركي الذي فرط فيه الكثير من الآباء والأمهات من خلال استسلامهم لمتطلبات أطفالهم المتزايدة بالخلو مع أجهزتهم الإلكترونية وتلك والله مسؤولية كبرى تحتاج للحزم والاقناع والحوار وتحديد الأولويات ومعرفة اللغة التي نتحدث بها مع هذا الجيل ليقتنع بمصلحته الشخصية والالتزام بالأنظمة الأسرية، ونحن بحاجة أيضًا لتنمية الذكاء الإبداعي والتخيلي والشخصي الذاتي لدى أطفالنا واكتشاف مواهبهم الخاصة التي يتميزون بها وتشجيعهم للاستمرار في صقلها وظهورها كما نحتاج الذكاء الايقاعي الموسيقي والذكاء الروحي في حالة من التناغم والانسجام الذي يرتقي بالنفس البشرية ويشعرها بالراحة والسكينة والطمأنينة.
لكل الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات والمربين والمربيات بين أيديكم أمانة عظيمة عقول وقلوب أطفالنا بين أيديكم وأنتم أهل لتأدية هذه الأمانة. ودعوة خاصة لوزارة التعليم كونوا دومًا عونًا ومعينًا للمعلم وأعطوه المزيد من التقدير والاحترام والمكانة ووفروا له الأمان الوظيفي والاستقرار الأسري والاجتماعي، ودعوة لكل أفراد المجتمع قدروا من يستحقون التقدير وأفسحوا المجالس للمعلمين أشعروهم بمكانتهم ودورهم العظيم، كم أنا ممتنة لرب العالمين أنني أحمل مسمى معلمة مهما تغيرت المهام التي قمت بها في حياتي العملية وابنة معلم علمني أن التعليم رسالة عظيمة وهو قدوتي حتى استشعرت أن التعليم والعلم يجري في دمي وهو الهواء الذي اتنفس، رحم الله كل من علمني حرفًا وغفر لهم وأعلى قدرهم ومكانتهم في جنات النعيم، اللهم جازهم عنا خير الجزاء وتجاوز عن سيئاتهم وألحقنا بهم في الصالحين وكل عام والتعليم بخير.