مع بداية الإجازة الصيفية لهذا العام، والتي كانت بتاريخ 1/12/1443هـ، استجمعت الأسر قواها المادية، واستنفرت خططها للاستمتاع بالإجازة وإسعاد أبنائها، بعد عام دراسي طويل، استمر لأكثر من ثلاثة فصول دراسية، وربما كان الأطول في تاريخ التعليم في المملكة؛ وكل حسب إمكاناته، فمنهم من اتجه للسياحة الداخلية في مدن المملكة، في الطائف وأبها والباحة وجدة والعلا.. حيث اتخذت المملكة على عاتقها رفع مستوى السياحة وتطويرها حسب رؤية 2030، ووضع البنى التحتية اللازمة لسهولة تدفق السياح من الداخل والخارج، من حيث إنشاء مرافق جديدة للضيافة، وتطوير الخدمات السياحية، وحماية مواقع التراث الوطني، وتطوير الفعاليات والمهرجانات السياحية لجذب السائحين.
وهناك فئة اتجهت للخارج للتنويع، والاطلاع على حضارات الأمم وثقافتها، والاستمتاع ربما بأجواء أكثر برودة، مثل تركيا، التي تستقطب الآلاف من السائحين السعوديين كل عام.
وحقيقةً، أزعجنا مؤخراً الحادث المؤسف الذي تعرضت له عوائل سعودية في مدينة (ريزا) التركية، وانقلاب الحافلة، وتعرضهم لإصابات مختلفة من كسور وجروح.. نقلوا على إثرها لمستشفى تركي.. وهناك وقف رجال حكومة خادم الحرمين الشريفين من ممثلي السفارة على الحادث، وقدموا كافة أشكال الدعم المعنوي والمادي لهم، حيث كان هناك ثمانية عشر مواطناً سعودياً مصابون.. وبفضل الله ثم بفضل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان – يحفظه الله - وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان؛ تم نقل المصابين بطائرتي إخلاء طبي، فدولتنا - أعزها الله - تجعل المواطن محور اهتمامها، فتم التنسيق بين سفارة المملكة ووزارتي الصحة والدفاع، ونقلهم وتقديم كافة الاحتياجات الطبية والصحية اللازمة.
حينما نتفكَّر في الحادث، نجد أن هناك عدة أمور كان لابد أن تُؤخذ في الاعتبار من وزارة السياحة التركية؛ حيث السياحة مورد هام للدولة، وتستقبل كل عام الملايين من السائحين، فلا يمكن القبول باستخدام حافلة قديمة ارتفعت حرارة المكابح (الفرامل)، ويُبرِّد السائق الإطارات بالماء - وهو خطأ ميكانيكي- أدى إلى توقُّف الفرامل، وخروج الحافلة عن السيطرة، فيعيش الركاب فيلم رعب وسط صياح الأطفال والنساء، واستشهاد الرجال، حيث تعرضت حياتهم للخطر..!! فلماذا لا تكون هناك قوانين باستخدام أجود انواع الحافلات للنقل السياحي، وضرورة وجود فني ميكانيكي مساعد للسائق، فمثلاً نحن في منظومة النقل في الحج، وحمايةً للحجاج، هناك معايير أساسية في الحافلات، بحيث تكون جديدة، ولها شهادة فحص دوري... وغيرها من المعايير، بل توفير ورش متنقلة في كل مكان للدعم السريع، وتقديم دورات تدريبية في كيفية التعامل مع المشكلات، لأن مثل هذه الحوادث تُعرِّض سُمعة الدولة للخطر، وبالتالي انخفاض مستوى السياحة.
وبالرغم من وصول المصابين بالسلامة إلى أرض الوطن، إلا أن الأضرار الجسدية والمعنوية والنفسية جسيمة، فهل هناك تعويض من الشركة المُشغِّلة لهؤلاء السائحين؟، الذين أنفقوا أموالهم لتكون رحلتهم مصدر سعادة لهم، فإذا بها مصدر شقاء؟!. أقترح أن يكون هناك تنسيق بين سفارة المملكة والحكومة التركية لحماية السائح السعودي من عمليات الغش والتدليس، فهذه الشركة التركية المُشغِّلة للمشروع السياحي، حتماً، قد أخذت مبالغ كبيرة، وفي حالة فشلها، فهل يُعاد للسائح أمواله وتعويضه عن الخسائر؟، وكذلك ضرورة توفير البنى التحتية اللازمة لسلامة السائحين، فجبل مثل هذا، كان لابد من توفير مصدَّات إسمنتية عالية لحماية أرواح الناس.
في هذا الحادث أجد الكثير من الدروس والعبر التي ينبغي لنا أن نستفيد منها ونحن مقبلون على السياحة العالمية، واستقبال مائة مليون سائح سنوياً، كما في رؤية 2030، وأن نضع وسائل السلامة في قائمة الأولويات، حيث نظام السياحة الجديد يستأنس بمؤشر أفضل عشر دول في القدرة التنافسية؛ فيجب إضافة عنصر السلامة، سواء في وسائل النقل، أو الألعاب الترفيهية؛ فحادثة سابقة في عام 1416هـ في تلفريك الهدى غير مقبول أن يحدث الآن؛ حيث توقفت فيه اللعبة عن الحركة لمدة 41 دقيقة، بسبب خلل فني وسط الجبال، نتيجة لاحتكاك إحدى العربات بأسلاك زينة أعلام المملكة خلال الاحتفال باليوم الوطني.. ولا بد من وضع لوائح تنفيذية، وضوابط من وزارة السياحة لجميع الجهات، من شركاتٍ ومستثمرين، لتوفير أعلى المعايير اللازمة للتشغيل، ومنها معايير السلامة، وأن تكون نسبة الخطأ صفر.
حمداً لله على سلامة المصابين، وكل كلمات الشكر والتقدير لا تفي القيادة حقها في دعم المواطن أينما كان.