استحضرتُ، وأنا أُتابع ما نشرته الصحف حول إعلان صندوق النقد الدولي تصدُّر المملكة لدول مجموعة العشرين من حيث معدل نمو الناتج المحلي، استحضرتُ ما تضمَّنه المقال المميز الذي كتبه سمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود وزير التعليم الأسبق، مستعرضاً فيه حزمة من الآمال التي بدأت قبل خمسين عاماً، ولاحت بوادر تحقيقها الآن في ظل ما وضعته الرؤية التنموية لبلادنا من مستهدفات؛ انطلقت من حزمة من المرتكزات المستندة إلى مكانة المملكة الدينية وعمقها التاريخي وموقعها الجغرافي وقوة اقتصادها، الأمر الذي لم نستغرب معه مساحة الآفاق التي حلقت فيها محاور الرؤية، حين ركزت على الوطن الطموح والمجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر، مستندة إلى حزمة من المُمكّنات التي تعزز أهدافها. تعمَّقتُ في قراءة هذا المقال، لأخرج معه بمقاربة تسلط الضوء على الفرق ما بين المشروع النهضوي السعودي المعاصر الذي أسست له رؤية 2030 من خلال التحول الذي احتضنته؛ للحاق بركب التطور العالمي، وما تضمنته الخطط الخمسية التي بدأت عام 1970م، والتي اجتمعت كلها على ضرورة تنويع مصادر الدخل والتأسيس الحقيقي للبنية التنموية.
فعملية التحوّل نحو تنمية القطاعات غير النفطية؛ شكّلت تحدياً خلال العقود الماضية لعدم وجود الآليات الواضحة والمستهدفات الإستراتيجية، مما انعكس على المشاريع التنموية آنذاك؛ التي تأثرت بحجم الإيرادات والطفرات الاقتصادية، الأمر الذي استدعى أهمية الدفع بتوجه إستراتيجي للمرحلة المقبلة؛ يستجيب لمتطلبات مرحلة الرؤية التي لا تعني التخلي عن النفط، بل الاستفادة من القيمة المضافة وتعزيز الصناعات التي تدعم قطاع النفط، مع العمل على تنمية واستغلال القطاعات الواعدة، كالسياحة والترفيه، والتراث والتطوير العقاري.
من هنا جاء وضع خطط إصلاح الهياكل الإدارية وتطوير نظام حوكمة الأداء؛ لضمان تحقيق مستهدفات الرؤية، إضافةً إلى إطلاق العديد من المبادرات لتنمية موارد الدولة، وتحسين فاعلية الأداء الحكومي، وتفعيل دور القطاع الخاص، وتعزيز مشاركة المرأة وتمكينها.
لقد ركز الكاتب على مرتكزات تنموية هامة، كانت قاسماً مشتركاً في محطات التنمية السعودية، كان أولها المكانة الدينية للمملكة، التي تهفو إليها قلوب المسلمين، وتحتم علينا التفرُّد في العطاء والإبداع والابتكار، وهو الأمر الذي استدعى صناعة الإنسان، وبناء الثروة البشرية التي تعتبر أحد أهم مقومات التنمية، ثم وضع الخطط لتنويع مصادر الدخل، وتطوير قدرات إنساننا، وقد شرح الكاتب في ورقته التي وضعها لتحليل الخطة الخمسية الثانية عدداً من المحاور التي ركزت على تنويع مصادر الدخل، وتمكين المرأة، والاهتمام بالثروة المائية، وإنشاء مجاميع للتفكير.. مقدماً عدداً من المقاربات التي نفهم منها أن الرؤية التنموية هي امتداد طبيعي لخطط المملكة التنموية، ولكنها صنعت الفرق بقالبها المعاصر.
ونمضي مع سمو الأمير في رحلته عبر قطار التنمية لنتوقف معه عند محطة «مجموعة الأغر للفكر الإستراتيجي»، وما تم تقديمه من خلالها من مقترحات للملك عبدالله -يرحمه الله- لتنمية الاقتصاد السعودي من خلال تنويع مصادر الدخل، وهيكلة نظام الخدمة المدنية، وتنمية الموارد البشرية، ثم مقترح المجموعة بوضع إستراتيجية لانتقال المملكة إلى الاقتصاد المعرفي بحلول 2022.
لنخلص معه إلى أن قراءة الفكر الإستراتيجي لمشروع المملكة التنموي ترسم ملامح الفرق في مفاهيم التنمية بين إستراتيجيات الرؤية وفكر الخطط الخمسية، بحيث عكست برامج الرؤية نموذجاً اقتصادياً مختلفاً من خلال ارتباطها بحجم إنفاق محدد ومعايير مستهدفة، تتوخى تحقيق الاستدامة في جميع مشروعاتها، في الوقت الذي كانت فيه مستهدفات الخطط الخمسية تتفاوت بين مد وجزر وفق الظروف والتقلبات العالمية أو الطفرات الاقتصادية.
ونختم بالقول: إن الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية والتشريعية أدت إلى قوة ومرونة اقتصاد المملكة، مع الاستمرار في التنافسية لجذب الاستثمارات وتحقيق النمو المستدام.