منذ طفولتي المبكرة تعلق قلبي وعقلي بذلك الشيخ الجليل في برنامجه الأسبوعي نور وهداية وانتظر بلهفة وشوق كبير لبرنامج على مائدة الإفطار بعد صلاة المغرب في شهر رمضان، إنه الشيخ علي الطنطاوي، اقتنيت كتبه وقرأتها وقارنت بين تلك الطلة البسيطة واللغة المحكية القريبة للقلب والروح وبين ما دونته الكتب من بلاغة لغوية فائقة تكاد لا تصدق أنه يجمع بين الحسنيين في حديثه البسيط لعامة الناس وخاصتهم كبيرهم وصغيرهم، وبين ذلك الأديب المفوه الذي يمتلك أدوات اللغة المتفردة، لم يكن شخصية عادية في حياتي، تناولت من مكتبتي كتابه -حديث مع النفس- وتوقفت عند مقال له عن المعلم وكيف يعالج المواقف التربوية ويجعلك تعيش معه الأحداث وكأنك جزء منها وتلك والله قدرة وملكة يعطيها الله لمن يصطفيهم من عباده الذين يختارهم لأمانة الكلمة والتربية والتعليم.
لدي إيمان عميق بسحر الكلمة والحرف وأنها بوابة الوصول للقلوب والعقول، والمعلم على عاتقه أمانة عظمى ونحن في بداية عام دراسي جديد، ما أجمل أن نبدأه بقراءة في سير العظماء في تاريخنا القديم والحديث نصيحة أخوية من معلمة يجري في عروقها حب العلم والتعليم وتؤمن بأن هذه المهمة هي الأعظم في تاريخ البشرية جمعاء، بدون العلم والمعلم لن تصنع حضارة ولن يبنى مستقبل ولن تعزز قيم ولن نحافظ على موروثنا الفكري والثقافي والاجتماعي.. لنجعل في يومنا حيزًا للخلو بأنفسنا قليلاً ونسأل أنفسنا كيف خلد التاريخ أسماء العظماء ستجد أنهم تميزوا بأخلاقهم مع علمهم وعشقهم لما يعملون وإيمانهم بدورهم ورسالتهم في هذه الحياة الدنيا التي مهما بلغ بنا فيها المقام سنغادر مواقعنا وأجمل ما نتركه خلفنا هو الأثر والذكر الطيب بين من جمعتنا بيننا وبينهم الأيام في أروقة المدارس والجامعات وبيئات العمل المتنوعة.
وصلتني رسالة تحمل الكثير من المعاني تقول: (افعل كل ما تستطيع من خير، وبكافة الطرق الممكنة كلما أتيحت لك الفرصة إلى النجاح والخير الدائم، فأنت لا تعلم أين الخير والنجاح المطلق والسعادة الكاملة، اعمل على أن يحبك الناس عندما تغادر منصبك، كما يحبونك عندما تستلمه).
بعد ربع قرن قضيتها في الميدان التعليمي خلاصة ما توصلت إليه أن العلاقات الإنسانية هي مصدر السعادة المؤسسية ووجود لغة حوار راقية تجمع بين فريق العمل على اختلاف مواقعهم القيادية والتنفيذية، ويبقى للغة الجسد قوة تأثير عجيبة، ولنا في رسولنا الهادي البشير المعلم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي عرف بالبشاشة وإقبال الوجه كله عندما يتحدث لصحابته ولكل من يدخل مجلسه ويستخدم الكلمات التحفيزية التي تؤلف القلوب وينزل الناس منازلهم ويوقر الكبير ويحن ويعطف على الصغير ويتحدث بلغتهم، إن كنا نطمع في صحبته لننهل من معين سيرته وخاصة في تعامله مع الصغار فلكل من ولاه الله أمانة التعليم كن أباً رحيمًا وكوني أماً حنونة وقلب الأم لا يعرف إلا الحب والعطاء بلا مقابل وستجدون أثر ما تعملون على حياتكم صغيرها وكبيرها فقط استعينوا بالله جل في علاه في كل صغيرة وكبيرة واستقبلوا عامكم الدراسي الجديد بالحب والتفاؤل والابتسامة الصادقة النابعة من القلب لأنها ستجد طريقها لقلوب الصغار قبل الكبار وكلنا بحاجة لهذه الروح وهذه العلاقات الإنسانية في بيئات العمل، اللهم أعنا ولا تعن علينا وكن لنا ناصرًا مؤيدًا محققًا لكل أحلامنا حتى نلقاك وأنت راض عنا وكل أيامنا حافلة بالمنجزات التعليمية مع جيل معتز بدينه ووطنه وقيمه يجعل من العلم بوابة للمستقبل المشرق لوطني.